مؤمن بسيسو
تفتح الثورة الشعبية المتصاعدة في سوريا الباب فسيحا لطرح العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل محور الممانعة والمقاومة في المنطقة الذي تعدّ سوريا أحد أركانه الهامة وركائزه الأساسية.
ومن هنا فإن محاولة استشراف مستقبل محور المقاومة والممانعة وبدائله المطروحة في ضوء تطورات الواقع السوري الذي تتصاعد غضبته الشعبية في وجه النظام باطراد، تكتسب أهمية بالغة، لكونها تناقش مصير ومستقبل المحور الأهم الذي يواجه السياسة الإسرائيلية والأميركية في المنطقة.
لا شك أن الضرر المحتمل على أطراف محور المقاومة والممانعة جراء أية تغييرات على المستوى السوري الداخلي لن يكون سهلا أو هيّنا، وقد يعمل على إحداث اختلال في خططها التكتيكية وبعض جوانب أدائها العام، إلا أنه قد يتطور ليمس جوهر عمل بعضها وفعاليته الإستراتيجية، أو يدفع به في أتون الإرباك الواضح وانعدام التوازن بالمعنى الإستراتيجي كما في حالة إيران وحزب الله.
بخصوص إيران لا يمكن التقليل من حجم الضرر المحتمل الذي سيصيبها جراء انكفاء سوريا على متاعبها الداخلية، إذ إن حاجة إيران التي تعتنق المذهب الشيعي لسوريا التي يغلب عليها المذهب السني كبيرة بكل المقاييس، وهو ما أسهم سابقا في تجاوز الكثير من المخططات الرامية إلى ضرب إيران وعزلها تماما عن المحيط العربي عبر عناصر التحريض المذهبي.
ومن هنا فقد حققت إيران مكاسب سياسية وإستراتيجية من وراء تحالفها مع سوريا، وهذا ما يجعل السياسة الإيرانية في موقف أضعف مع ضعف الفاعلية السورية خارجيا، واختلال قيامها بمقتضيات دورها المعروف إزاء السياستين الأميركية والإسرائيلية في المنطقة نتيجة لظروفها الداخلية.
أما حزب الله فيعد أكبر الخاسرين جراء أية تغيرات دراماتيكية قد تطرأ على واقع النظام في سوريا، فالحزب قد لا يكون قادرا على حماية نفوذه واستحواذه الحالي على مساحة واسعة من الحياة السياسية اللبنانية إذا أطاحت الثورة السورية بالنظام، ومن المتوقع أن يتراجع دوره وتأثيره بوضوح على الساحة اللبنانية الداخلية.
وليس خافيا أن حركات المقاومة الفلسطينية تشعر بقلق واسع وارتباك ملحوظ، إذ إن سقوط النظام السوري الذي يحتضن أنشطتها ومكاتبها دون عوائق سوف يضطرها للملمة أبنائها وحزم حقائبها والرحيل.
ومع ذلك، فإن حجم تأثر هذه الحركات بأي تطور سوري مستقبلي ليس واحدا، فلا يمكن مقارنة الأثر المترتب على بعض الحركات التي لا تمتلك سوى مكاتب إدارية وإعلامية وكوادر بشرية محدودة نسبيا، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ببعض الحركات الأخرى التي تمتلك مكاتب ومعسكرات تدريب وزخما واسعا في الكوادر البشرية.
من هنا لا مفر من رسم البدائل المناسبة، ووضع الآليات والمقترحات العملية الكفيلة بتجاوز هذا "المطبّ الإستراتيجي" وتقليل سلبياته إلى حدها الأدنى، على النحو التالي:
أولا: على صعيد إيران وحزب الله:
- نسج التحالفات: ويشمل ذلك التحالفات ذات الطابع التكتيكي والإستراتيجي، عربيا وإسلاميا.
- الخروج من الإسار الطائفي: فمن الصعوبة بمكان تصور إمكانية قيام إيران وحزب الله ببسط علاقات متينة على المستوى العربي والإسلامي دون الخروج من أسر العامل الطائفي الذي يوغر الصدور ويباعد بين أصحاب الدين الواحد والقبلة المشتركة.
- بلورة خطاب سياسي وإعلامي متوازن: فلا يُنصح بالاستمرار في نفس الخطاب السياسي والإعلامي الراهن ذي اللهجة الحادة والمحتوى الصدامي.
ثانيا: على صعيد حركات المقاومة الفلسطينية:
- نسج التحالفات: وذلك من خلال نسج تحالفات جديدة ترقى إلى مستوى الحلف الكامل أو الجزئي مع بعض الدول العربية والإسلامية.
- نقل مركز الثقل: فلا يمكن إبقاء مركز الثقل داخل سوريا مما يحتم الشروع الفوري في نقله تدريجيا إلى مكان آخر.
- تقاسم القرار بين الداخل والخارج: فلا مناص من تقاسم مسؤولية صنع القرار بين الداخل والخارج، إن لم يكن منح الداخل الأرجحية المطلوبة.
- بلورة خطاب سياسي وإعلامي متوازن: وخصوصا في هذه المرحلة العصيبة التي تتزامن فيها أحداث سوريا مع تفاقم الأزمة الفلسطينية الداخلية، والتغول الشامل بقيادة (إسرائيل) والإدارة الأميركية على شعبنا وقضيتنا.
باختصار، فإن سوريا تشق طريقها نحو التغيير، وما لم تسارع أطراف محور المقاومة والممانعة الأخرى إلى رسم خططها وإعداد بدائلها للمرحلة المقبلة، فإنها ستواجه متاعب واسعة، وقد تنكفئ إلى الوراء، وتفقد جزءا لا يستهان به من قوتها السياسية ونفوذها الإقليمي ومكانتها المعنوية لصالح الإدارة الأميركية و(إسرائيل) والاتحاد الأوروبي وحلفائهم في المنطقة.