قائمة الموقع

مقال: أيها المؤتمرون في أريحا .. قضية الأسرى أسمى من الاستغلال والمتاجرة

2009-11-24T14:25:00+02:00

بقلم/ النائب د. محمد شهاب

من المفترض دوماً أن تكون قضية أسرانا في سجون الاحتلال الصهيوني عامل توحيد وطني لكل القادة والزعماء وقوى الشعب الفلسطيني ومؤسساته، وذلك لما تمثله هذه القضية من قداسة ورمزية وطنية كما هي قضايا الشهداء والجرحى، فهذه التضحيات الغالية والمعاناة الكبيرة أسمى من الاستغلال والمزايدة والمتاجرة.

فكرة المؤتمر الدولي للأسرى أهدافه ومضمون رسالته العالمية كانت ولا تزال مطلباً نادى به الجميع، وحلم طال انتظاره، مشروع ضخم وكبير، لكن الكارثة حين يتحول إلى احتفالية وكرنفال تضيع معه الأهداف العظام، ويخرج بهذا الشكل الهزلي المهين، الذي يحبط معه كل أمل، ويصبح حقاً أريد به باطل!! في ظاهره الحق الذي لا يماري فيه أحد، أما في باطنه فالباطل عينه!!

هذا المؤتمر الدولي للأسرى في فندق إنتركوننتال بأريحا، قد دعي إليه المئات من الشخصيات والوفود والمؤسسات من فلسطين وخارجها، والذي يستمر ثلاثة أيام يتبارى فيها المشاركون في تقديم أوراق عمل حول قضايا الأسرى المتنوعة.

هذا المؤتمر الدولي للأسرى يتناول قضية وطنية وعنوان توحد، ولكن اللجنة التحضيرية تشدد على عدم دعوة  أو مشاركة أي أحد يشك أنه نصير لحركة المقاومة حماس، ناهيك عن انتمائه أو تمثيله لها !! حركة حماس التي يعدّ أسراها بالآلاف تستثنى من المؤتمر بشكل مبرمج وهدف مقصود وتنفيذ محكم!!

قل لي بربك أين يقع هذا المؤتمر إذن في قضية هي إحدى مخرجات المقاومة؟ إنه بلا شك يصبّ في غير مصلحة أسرى المقاومة ويجول في ميدان آخر غير ميدانها، ولغير حساباتها الحقيقية.

هذا المؤتمر الذي رفض دعوة ومشاركة أنصار المقاومة ورموزها من قادة ونواب منتخبين ذاق خمسون منهم ويلات الاعتقال؛ إنما هو مؤتمر في باطنه وحقيقته يصب لصالح  مشروع مضاد لمشروع المقاومة، مشروع مخطط ومبرمج وموجه لاستئصال مشروع المقاومة ثقافة وفكراً وأنصاراً ومؤسسات.

هذا المؤتمر يمثل في الحقيقة طعنة نجلاء لمضمون الوحدة الوطنية التي يمثلها الأسرى والحركة الأسيرة، فبدلاً من أن يعزز مشروع الحوار الأخوي ويعزز روح التصالح والوفاق الذي تبّناه الأسرى؛ قام المؤتمر ليحطم هذا الأمل الوطني حين عزز سياسة الانقسام البغيض بإقصاء ممثلي شطر كبير جداً من أسرى المقاومة.

لو كان المخططون للمؤتمر صادقين في أهدافهم المعلنة، لحرصوا في هذا المؤتمر الدولي الذي يخص الأسرى على تحقيق أعظم آمال الحركة الأسيرة وأهدافها الحالية بتحقيق الوحدة الوطنية، وهي عندهم أهم وأغلى من الحديث عن معاناتهم وتحسين ظروفهم بل والإفراج عنهم.

لو شاء المخططون لحرصوا على تمثيل كل قوى الشعب ومقاومته وأسراه ولو بالحد الأدنى والرمزي،  ولكان هذا المؤتمر خطوة جادة ومميزة بل فرصة حقيقية لتعزيز روح الوفاق والمصالحة والخروج بمبادرة وفاق وطني باسم الأسرى جميعاً، ولكن هيهات هيهات!! ففاقد الشيء لا يعطية  

أجل ربما يبدو المشاركون في المؤتمر أبطالاً في فضح جرائم الاحتلال بحق الأسرى والمطالبة بتحسين ظروف اعتقالهم، ولكن كل ذلك لن يغفر لهم سوء قصدهم وهدفهم بإقصاء المقاومة، لن يغفر لهم تغييب خيار المقاومة لتحرير الأسرى.

هل يجرؤ أحد من أبطال المسرح المنصوب في هذا المؤتمر وعناوينهم الوطنية الكبيرة أن يذكر خيار القوة والمقاومة لتحرير الأسرى، خيار خطف جنود الاحتلال ومستوطنيه، ناهيك أن يشدّ على يد المقاومة الآسرة للجندي اليهودي شاليط بالثبات على شروطها حتى يرضخ الاحتلال، ناهيك أن يثني على مسار الصفقة أو يبشر بها؟؟

 

هل يجرؤ أحد من أبطال المسرح أن يطالب كبيره عباس أن يحترم معاناة وتضحيات الأسرى الذين يقضون حياتهم في السجن بسبب مقاومتهم للاحتلال، وأن يكفّ عن طعن شرفهم والتنكر لنضالهم حين يصف المقاومة بالعبث والتخريب والحمق؟

إن أقصى ما قد يطالبونه أن يكثف كبيرهم عباس جهوده مع حلفائه للضغط على الاحتلال لإنهاء قضية الأسرى!! وذلك من خلال سياسة التوسل لإخراج بعض الأسرى كبادرة لحسن النوايا من احتلال متغطرس حقود لئيم، يخذله مئات أضعاف ما يعطف عليه بعد طول تذلل واستجداء، فيفرج له عن المئات أو العشرات، تعزيزاً لسياسته التفاوضية المذلة وتجميلاً لوجهه القبيح ونصرة له ضد مشروع المقاومة.

ترى هل جاء توقيت هذا المؤتمر مع توقعاتهم بقرب نجاح المقاومة في إنجاز صفقة تبادل الأسرى بشروطها المشرفة؟ ليلفتوا الأنظار أنهم أبطال ذات الميدان تجاه الأسرى، وليظفر كبيرهم عباس وعلى الهامش بصفقة هينة لينة يهللون لها ويستخّفون بها الناس.

إن معظم الأسرى الذين يخرجون في مثل تلك الصفقات المذلة يتم اختيارهم بدقة، من ذات اللون السياسي والنهج العباسي، ممن قرب انتهاء حكمهم، وممن يطمئن الاحتلال لحسن سلوكهم معه إذا خرجوا؛ بأنهم لن يكونوا من المشاكسين المخربين، وأنهم ممن أقسموا جهد أيمانهم ألا يقتربوا من تلك المقاومة العبثية الحمقاء على دين وشريعة كبيرهم عباس حفاظاً على مشروع أوسلو الذي يمثل لهم الحلم الفلسطيني الكبير بالدولة المستقلة القادمة!!

وتأمل معي كيف أن الغالبية الساحقة من أولئك السجناء الذين تحرروا في صفقات تبادل مشرفة مع المقاومة، كيف خرجوا مرفوعي الهامة وعادوا إلى ميدان المقاومة وأصبحوا قادة ووزراء ونواب وشهداء وجرحى مقاومة، وما شذ منهم إلا قليل.

في حين أن الغالبية الساحقة من أولئك السجناء الذين خرجوا في صفقات أوسلوية وعباسية مذلة، لم يرفعوا رأساً في ميدان المقاومة أو ساحوا في غير ميدانها، بل أصبح بعضهم يطارد المقاومة وما نجا منهم إلا قليل.   

ليس غريباً على قادة وزعماء من أصحاب هذا المشروع المضاد للمقاومة، الذين تنازلوا للاحتلال عن معظم أرض الأجداد بلا ثمن سوى الخسة والنذالة، ليس غريباً عليهم أن يتاجروا بدماء الشهداء والجرحى ومعاناة الأسرى، ويصمتون عن آلام الشعب وحصاره وتجويعه؛ بل يشاركون في ذلك ويحرضون عليه.

إن الذي لا يتشرف بالمقاومة التي انتهجها هؤلاء الأسرى الكرام وضحّوا في سبيلها بأغلى ما يملكون، وإن الذي يشتمها على الملأ ويتنكر لها، وإن الذي يغيب عمداً المقاومة وأسرى المقاومة ورموزها شكلاً وروحاً ومضموناً في مؤتمر يخص الأسرى؛ هؤلاء هم آخر من يتكلم عن أسرى الشرف والمقاومة، بل لا يحق لهم ذلك.

هؤلاء في الحقيقة يناقضون أنفسهم، وهم مجرد تجّار يسّوقون سياسة فاسدة، وما أفعالهم إلا كما وصف الله سبحانه سحرة فرعون: "إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى"، وقد بشرنا سبحانه: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" ، وقد أوصى بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أحد ولاته: "أما بعد: فاعمل عمل رجل يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين" هذا قضاء الله أنه لا يصلح عمل المفسدين، فأعمال المفسد مبنّية على أوليات ومقدمات فاسدة بيّنة العوار، هو أدرى الناس باعوجاجها وتناقضها.

ويكفيك من الأمر أن تعرف رؤساءه!! فإن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما رأى الثائرين يحاصرون عثمان بن عفان رضي الله عنه يريدون قتله، فقال: (والله، إن أمرًا هؤلاء رؤساؤه لأمر سوء).

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00