د. فايز أبو شمالة
يتظاهر الإسرائيليون في الشوارع، ويهتفون باللحن العربي ذاته "الشعب يريد" ولكن تختلف الإرادات، فالذي انتخب رئيسه، وانتخب رئيس وزرائه، وانتخب أعضاء برلمانه، لا يهتف بسقوطهم في الشوارع، ولا يصرخ: الشعب يريد إسقاط الرئيس، لأن إسقاط الرئيس يتم عبر صناديق الاقتراع، وليس من خلال الشارع.
لذا كان الهتاف الإسرائيلي: الشعب يريد عدالة اجتماعية، يريد تحسين الأجور، ويريد ظروف معيشية أفضل وأرقى مما هي عليه الآن، فالإسرائيلي الذي يثق أن دولته أرقى وأغنى وأقوى من كل الدول المحيطة، يتطلع إلى خدمات أنظف وأحسن وأكثر شفافية من سكان الدول الأخرى.
في إسرائيل فرص العمل متوفرة للجميع، لكن الذي لا يعجبه العمل يتقاضى ألاف الشواقل بدل بطالة، وما يتقاضاه الإسرائيلي بدل بطالة يفوق ما يتقاضاه أستاذ جامعي، أو موظف كبير لدى أي حكومة عربية، أما متوسط الأجور فقد بلغ 2500 دولار شهرياً، أي ما يعادل 15 ألف جنيه مصري ـ راتب ثلاثين مدرس مدرسة ثانوية ـ ومع ذلك فالإسرائيلي يهتف لمزيد من الرخاء، فهو يريد أن يمتلك الشقة السكنية فوراً، ولا يريد أن يعمل لمدة عشر سنوات كي يوفر ثمنها، ولا يريد أن يتسلم شقة جاهزة في إحدى مستوطنات الضفة والقدس، بينما الموظف العربي لا يمكنه توفير ثمن شقة سكنية حتى بعد ثلاثين عاماً من العمل!.
الإسرائيليون لا يلهثون خلف الحرية والديمقراطية التي يموت من أجلها العرب في الشوارع، الإسرائيليون يسعون للارتقاء بالديمقراطية إلى مستويات من الرخاء يسيل لها لعاب العرب والغرب، وتوفر لليهودي الأمن والازدهار.
في حديث مع الإذاعة العبرية، رفض أحد الإسرائيليين تشبيه مظاهراتهم بمظاهرات العرب، ورفض أن يكون اليهودي في تل أبيب مقلداً للعربي في ميدان التحرير وفي سوريا وفي ليبيا وفي اليمن العربي العنيد وغيرهم، وقال: أرفض تحقير المجتمع الإسرائيلي وتصويره مقلداً للعرب، وأضاف: المظاهرات في إسرائيل تبحث عن العدالة الاجتماعية، وتعترض على الفوارق الطبقية بين السكان، بينما المظاهرات في بلاد العرب هي محاولة لاسترداد الإنسان الذي ضاع في الزحام، وغابت كرامته، وسيطرت عليه حاشية الحكام.
ويضيف اليهودي: الحاكم العربي لا يحترم شعبه، ولا يرى فيهم إلا عبيداً، يزحفون تحت نعليه، يدوس عليهم، ويقتل منهم المئات، ويوظف جهاز الشرطة والأمن والجيش لخدمة نظامه، بل ويعلن الحاكم العربي الحرب على شعبه، ويحاصرهم بالدبابات، وهذا لا يمكن أن يحدث في إسرائيل، انظر إلى جهاز الشرطة في إسرائيل، إنه يقف على أهبة الاستعداد لخدمة المتظاهرين، وتنظيم حركة المرور، وحفظ الأمن العام، أما الجيش الإسرائيلي فهو أرفع منزلة من النزول إلى الشوارع، ومحاصرة المدن، وحماية النظام.
وتابع: تذكروا دائماً: أن القوي لا يقلد الضعيف، وأن الغني لا يحاكي الفقير، وأن المجتمع الديمقراطي لا يمشي خلف المجتمع الديكتاتوري، والإنسان المتحضر لا يحاكي الإنسان المتخلف الذي يتخبط في خطواته.
وختم قائلاً: بين الإسرائيليين والعرب أكثر من ألف عامٍ من الحضارة والتطور والديمقراطية والإنسانية، وسيادة القانون، والشفافية، ويكفي أن يصاب متظاهر إسرائيلي واحد بجراح خفيفة، كي يغادر رئيس الوزراء كرسيه مطروداً مخزياً فوراً، بينما يقتل الحاكم العربي كل يوم العشرات من العرب، ويجرح المئات بجروح خطيرة، ويخرج بعد ذلك على الفضائيات مبتسماً مهنئاً شعبه بالانتصارات!.