مقال: سوريا.. بين الاستبداد الداخلي والممانعة الخارجية

مؤمن بسيسو

هل يمكن أن يكتسي الاستبداد الداخلي ثوبا وطنيا قوميا بحيث يترافق مع القمع الداخلي نخوة عروبية ويتلازم مع الاستبداد مواقف خارجية مشرّفة؟، ولمن تعطى الأولوية وحق الحياة إن عجز المساران عن التعايش وأضحيا "ضدان لا يلتقيان"؟..

النظام السوري يشكل حالة واضحة ونموذجا شبيها للطرح السالف، فهو مفرط في العداء لطموحات شعبه وحقوقه داخليا، وفي الوقت نفسه يمتلك رصيدا مشرّفا على المستوى الخارجي في مواجهة السياسات الإسرائيلية والغربية في المنطقة.

وها هنا لا يُلتفت لحجج البعض الذي يجادل في مدى "صدقية" أو "جدية" التوجهات السورية الخارجية؛ فالأمور تقاس بمدى ثبات النظام على مواقفه فضلا عن أن السياسة كلها -أي سياسة كانت، وفي أي ظرف أو سياق كانت- تقوم على المصالح بغض النظر عن الدوافع والبواعث والمبررات، وتلك حقيقة سياسية لا يماري فيها أحد.

شواهد التاريخ وتجارب الحاضر أثبتت أن التعايش بين مساري الاستبداد الداخلي والكرامة -أو الممانعة الخارجية- أمر ممكن، ولكنه مؤقت، وإلى حين، ولا يمكن أن يدوم إلى الأبد.

والحالة هذه.. فإن قيم الحرية والكرامة والعدالة هي قيم مطلقة وثوابت إستراتيجية، ولا يجوز أن تتعرض للخدش أو الامتهان بأي حال من الأحوال فيما تشكل السياسة ومواقفها عناصر متغيرة وأدوات تكتيكية، ولا ينبغي قصرها على فئة بعينها دون الأخرى، فالإرادة الشعبية الحرة تستطيع حال انتصارها تعويض المواقف الخارجية بصورة أكثر قوة ووضوحا؛ كونها تستند إلى أرضية قيمية صلبة فيما النظام المستبد يعيش على أرضية رخوة، ويسير ضمن حقول لا تنتهي من الرمال المتحركة التي سرعان ما يسقط فيها مهما طال الزمن.

وحين يأتي زمان المفاضلة بين المسارين فإن الأولوية تكون –دون شك أو تردد- لمصلحة الإرادة الشعبية التي تصارع بطش النظام واستبداده، والانحياز يكون للقيم المطلقة والمبادئ الإستراتيجية على حساب المواقف التكتيكية المتغيرة مهما بلغت نزاهتها أو درجة الشرف المرتبطة بها.

لا أجمل من أن ينبثق النظام الحاكم عن إرادة الشعب والجماهير على المستوى الداخلي وأن يدور في فلك مصالح الأمة وقضاياها على المستوى الخارجي!!.. فهو بذلك يحوز شرف الداريْن، ويسطر صفحات مضيئة في سفره الداخلي والخارجي على السواء، ويحفر له مكانة متميزة في تاريخ البشرية ووجدانها.   

النظام الحاكم في تركيا يعطي أنموذجا أصيلا عن توافقات الداخل والخارج، فهو محصّن شعبيا بواقع تأييد أكثر من منتصف الشعب التركي واحترام النصف الآخر فيما يمارس سياسة مشرّفة على المستوى الخارجي، ولا يعطي الدنية من نفسه وشعبه وقيمه ومبادئه مهما كانت التحديات.

من أراد الظفر بالراحة والاستقرار والأمان من وهج الثورات فليبدأ مبكرا، ولينهج الإصلاح خيارا صادقا وإستراتيجيا، ولا ينتظر انبلاج الخيط الأبيض من الخيط الأسود كسبا للوقت لأن رياح الثورات حين تهبّ لا تنتظر أحدا، ولأن خيار الإصلاح إن لم يكن مبكرا وصادقا فإن مطالب الثورة سوف تتجاوزه بكل تلقائية إلى مطلب إسقاط النظام، وحينها لا ينفع التشدق بدعاوى الإصلاح التي يُزهقها وعي الشعوب كما يُزهق الحق الباطل.

إن في الوضع السوري والجوار العربي الذي تعتمل فيه الثورات لذكرى عميقة لمن أراد أن يزدجر، وعبرة بالغة لمن أراد أن يعتبر.

البث المباشر