مصطفى الصواف
يقولون مصالحة، وما أدراك ما المصالحة؟!.. ولقاء القاهرة يعقد مرة أخرى بين أطراف المصالحة، وبناء على رغبات تركية ومصرية دون أن يكون هناك تغير في المواقف، وسيد الموقف هو تأجيل بحث بعض الأجندة وعلى رأسها الحكومة، والبحث في ملفات أكثر تعقيدا منها كالمنظمة والأجهزة الأمنية، وملفات رغم أهميتها كان المفترض أن تنتهي دون حوار أو نقاش أكثر من الذي كان، وهي الاعتقالات السياسية وجوازات السفر.
الغريب أن الحديث يدور عن لقاء يجمع فتح وحماس في القاهرة وحملة الاعتقالات زادت في الضفة الغربية، وكذلك الاستدعاءات ومداهمات المنازل وتهديد الأقرباء بالاعتقال ما لم يقم المطلوبون بتسليم أنفسهم كما حدث مع الصُّحفية مجدولين حسونة، وكأن الأجهزة الأمنية تريد أن ترسل رسالة على شرف اللقاء تقول للمتحاورين: "تحاوروا في كل شيء إلا في الموضوع الأمني والاعتقالات السياسية، لأنه لا أحد له سلطة عليها سوى الشركة متعددة الجنسيات التي يقودها الآم الجنرال الأمريكي مولر، وهذا الملف لا علاقة له لا بالسلطة ولا بالسيد أبو مازن".
إذن.. كيف يستقيم الأمر ونحن أمام رأسين في الضفة الغربية: رأس يسيطر عليه عباس، ورأس لا سيطرة إلا للممول الأمريكي الغربي والمنسق الإسرائيلي عليه؟!.. وفي هذه المعادلة: هل يمكن أن ينجح لقاء القاهرة في تحقيق تقدم بملف المعتقلين السياسيين كأول وجه من وجوه تحقيق المصالحة على الأرض؟..
يقول المتحاورون إن ملف الحكومة الذي عطل التوصل إلى اتفاق حوله سيؤجل البحث فيه، وسيكون هناك بحث في ملف منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ملف فيه اتفاق القاهرة عام 2005 وعطله محمود عباس وهو بحاجة فقط إلى أن يُفعل هذا القرار، ولكن اتفاق القاهرة للمصالحة زاد عليه "القيادة الوطنية العليا"، وهذه وحدها كفيلة بإخفاق التوصل إلى اتفاق في هذا المحور، وبخاصة إذا علمنا أن عقلية محمود عباس الفردية التي لا تقبل أي شراكة لا يمكن لها أن تقبل قيادة فلسطينية تكون رقيبا وحسيبا على قرارات محمود عباس وتصرفاته وسلوكياته السياسية المتعلقة بالقضايا المصيرية للشعب الفلسطيني.
ربما يكون ملف الانتخابات أسهل من الحكومة والمنظمة، ولكن أيضا هذا الملف لا يمكن أن يطبق حتى لو تم الاتفاق على كل بنوده، وسيبقى كاتفاق المصالحة حبرا على ورق لأنه لا يعقل أن تجري الانتخابات بدون حكومة توافقية، ولا يعقل أن يكون هناك انتخابات بدون بيئة سياسية وحريات، فهل المطلوب اتفاقيات موقعة على ورق دون أن يكون هناك تنفيذ لها في أرض الواقع؟..
يبدو أن لقاء القاهرة لقاء "علاقات عامة" جاء وفق رغبة تركية مصرية لكن دون أن تتوفر لدى أبو مازن أي إرادة سياسية جديد، وأن الموافقة على اللقاء ما هو إلا مناورة جديدة تستهدف استهلاك الوقت حتى تظهر نتائج التوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر أو العودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وفي حال النجاح لن يهتم عباس كثيرا بالمصالحة، ولكن وفي حال الإخفاق قد يكون هناك توجهات أخرى -ربما تكون المصالحة- ثم وضع الملف برمته في حجر الشعب الفلسطيني.
حتى ذلك الحين ستبقى الأمور على ما هي عليه، وسيكون لقاء القاهرة بلا نتائج يمكن أن يبنى عليها، وسيقتصر على التقاط الصور والمؤتمرات الصّحفية على أمل اللقاء في موعد قادم.