الرسالة نت - شيماء مرزوق
في خضم المتغيرات الدولية والعربية و(الاسرائيلية) جاء التصعيد الصهيوني الاخير على قطاع غزة, متمثلاً في شن سلسلة من الغارات استهدفت مواقع تابعة لحركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام, بالإضافة إلى قصف مناطق أخرى ادعى الاحتلال انها كانت رداً على الصواريخ التي أطلقت من غزة.
ويأتي هذا التصعيد في ظل حالة من الهدوء النسبي عاشها القطاع بعد حرب 2008, فهل يستثمر الاحتلال هذه الصواريخ للهروب من أزمته الداخلية؟, أم تستغلها المقاومة لاستعراض قوتها وحشد الجماهير حولها؟ الرسالة حاولت الاجابة على هذه التساؤلات من خلال ندوتها "في قاعة التحرير".
**** نزع القوة
استهل الحديث في الندوة أ. نهاد الشيخ خليل المختص في الشأن (الاسرائيلي) بالتأكيد على أن الاحتلال الصهيوني يستغل اطلاق الصواريخ من قطاع غزة بتوجيه ضربات على القطاع, مثلما استثمر أشكالا كثيرة من النضال والكفاح الفلسطيني واستطاع في فترة ما تشويه صورته, موضحاً ان (إسرائيل) تجتهد في نزع أي شيء يمكن ان يكون مصدر قوة للفلسطيني.
ولفت الى ان التحليلات التي تتحدث عن الصواريخ التي تطلق من غزة وكأن الاحتلال في أزمة كبيرة نظراً للاحتجاجات الكبيرة التي تشهدها (إسرائيل), غير منطقية, على الرغم من أن هذه الاحتجاجات كبيرة ومهمة وغير مسبوقة ومن يقودها لديهم خبرة وعلم في هذا المجال, الا ان ما يطرح من شعارات ليست جديدة, والحديث عن الفجوات التي تتسع بين الفقراء والاغنياء وسحق الطبقة المتوسطة في (اسرائيل) موجود سابقاً.
ويرى الشيخ خليل أن المجتمع (الاسرائيلي) لن يشهد تحولات كبيرة, والحراك الشعبي ستكون له آثاره لكن على المدى البعيد وحتى لو حدثت انتخابات مبكرة فالأزمة ستستمر لأنه لا توجد قوة حزبية جاهزة لقيادة الازمة وقادرة على حلها, لأنها ازمة مؤسسات وليست ازمة نتنياهو.
وأكد على ان حديث بعض الاطراف الفلسطينية عن أن الصواريخ ستشوش على استحقاق سبتمبر والاعتراف بالدولة ضرب من الخيال, لأنه حتى لو اعترفت الامم المتحدة بالدولة فستصبح دولتان بينهما نزاع وصراع على الحدود.
واستدرك: في القانون الدولي النزاعات بين الدول لا تحل بالحروب وانما بالتحكيم, وبالتالي سيدخل المجتمع الفلسطيني في عملية تحكيم غير متوازنة لأنه الطرف الاضعف, ولذلك فان الاعتراف بالدولة سيسلبنا الحق في القول باننا شعب تحت الاحتلال وله حق المقاومة.
وشدد على ضرورة ان يعمل الشعب الفلسطيني لكي يصبح حركة تحرر وطني قبل الدولة, تقوم بعمل كفاحي متكامل, فغزة تبقى عنوانا مهما للمقاومة والنضال من اجل كسر الحصار, وابقاء غزة ساحة للكفاح المتعدد, بالإضافة الي ضرورة جعل القدس عنوانا آخر واكثر اهمية للمقاومة, وتفعيل الكفاح ضد الجدار والاستيطان في الضفة الغربية.
ولفت الى ان الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال في اراضي عام 48 يجب ان يبرز قضيته ويثور على التمييز العنصري الذي يتعرض له, الى جانب ممارسة حق العودة رافعا شعار تطبيق قرارات الامم المتحدة ومحاولة تطبيقها من خلال المسيرات السلمية.
**** الوسيلة الأقوى
بدوره قال د. خالد صافي المحلل السياسي: "الجانب الفلسطيني لديه اشكالية كبيرة تتمثل في غياب استراتيجية واضحة للمقاومة واطلاق الصواريخ التي تعتبر وسيلة للمقاومة", وتابع "انقسام المجتمع الفلسطيني الى طرف مقاوم وآخر مفاوض معضلة كبيرة يجب حلها لان المقاومة والمفاوضات هما وسيلتان للتحرر من الاحتلال".
واعتبر ان هذا الانقسام يجب ان ينتهي لان التيار المفاوض لديه ازمة كبيرة فهو يفاوض دون ان يستند على المقاومة, كما ان التيار المقاوم لديه ايضا ازمة لأنه يؤمن بالمقاومة دون الحصاد السياسي, مشيرا الى ضرورة وضع برنامج سياسي واضح يعتمد على المقاومة والمفاوضات معا.
ونوه الى ان الصواريخ هي الوسيلة الاقوى حالياً لان الاحتلال انسحب من قطاع غزة وبالتالي قلت حدة الاشتباك المباشر بينه وبين المقاومة فأصبحت الصواريخ هي الوسيلة الافضل في هذه المرحلة, لافتا الى ان اطلاق هذه الصواريخ ضد مدنيين (إسرائيليين) يجعل رد الفعل الصهيوني يستهدف مدنيين فلسطينيين, معتبرا ان حرب غزة كانت ترجمة لهذه السياسة على الارض, حيث كانت تريد (إسرائيل) تحذير حركة حماس من دخول حرب مدنيين واستهداف المدن (الإسرائيلية( مرة اخرى بالصواريخ, قائلاً " حماس فهمت هذه الرسالة جيداً ولذلك هي حريصة على التهدئة لأكبر وقت ممكن".
**** استعراض القوة
ورأى صافي أن المجموعات التي تطلق الصواريخ دون ان تتبنى هذه العمليات تهدف لاستعراض قوتها واحراج حركة حماس وكسب الحشد الجماهيري لها, معتبرا ان اطلاق الصواريخ والعمليات العسكرية ايا كان نوعها هي ايجابية لأنها تبقى على حالة الاشتباك والمقاومة مستمرة مع الاحتلال, مشيرا الى ان الصواريخ ساهمت في عدم توسيع الاستيطان في محيط قطاع غزة.
وأوضح ان المعركة الحقيقية لـ(إسرائيل) هي في تهويد القدس والسيطرة على اراضي الضفة الغربية لكنها تحاول باستمرار تحويل الانظار نحو غزة والرد على اي هجوم منها حتى تبقيها تحت اعين العالم.
وقال "بعض الفصائل تمارس الاستعراض وتقول ان لديها صواريخ متوسطة المدى وطويلة المدى, وهو ما يوهم العالم بان هذه صواريخ فتاكة بينما هي بدائية وتأثيرها محدود", مضيفاً: يجب ان نعيد الخطاب الاعلامي لدينا والحديث فقط عن ان هذه الصواريخ هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لنا للدفاع عن انفسنا وعن المدنيين دون الحديث عن المدى.
وتابع صافي" يجب على حركة حماس اعادة حساباتها وتقييم تجربتها في الحكم منذ عام 2006 لمعرفة مدى الفائدة التي عادت عليها من دخولها في الحكومة وتأثيرها على تيارها المقاوم", مؤكدا على ضرورة دراسة الحركة تجربتها في الخمسة اعوام الماضية.
**** إعادة الحسابات
وفي تساؤل للصحفي فادي الحسني حول كيفية الموازنة بين استراتيجية المقاومة وادارة القطاع, أجاب نهاد الشيخ خليل بأن غزة يجب ان تبقى عنوانا للمقاومة ولكن ليس العنوان الوحيد بل يجب تفعيل المقاومة في الضفة الغربية والقدس وأراضي عام 48, ضمن رؤية واضحة, معتبراً ان ازمة النضال الفلسطيني منذ بداية الاحتلال انه يفتقد الرؤية الواضحة.
وأكد ان تيار المفاوضات ما زال متمسكا بعملية السلام الميتة ويحاول كسب الوقت, بينما التيار المقاوم يقف عاجز عن بلورة رؤية واضحة وحقيقية للنضال الفلسطيني يصطف حولها كل المجتمع الفلسطيني وتقود نحو التحرير.
بدوره رأى د. صافي ان على حركة حماس تطوير فكرها السياسي ليتناسب مع المرحلة التي تعيشها القضية الفلسطينية, وللجمع بين المقاومة والمفاوضات.
وفي مداخلة لرئيس التحرير وسام عفيفة طرح خلالها الحديث عن القواعد السياسية والعسكرية التي أرستها الحرب على غزة عام 2008, قائلاً "من الواضح ان (اسرائيل) تنتهج سياسة واضحة اتجاه الصواريخ, فكل صاروخ يطلق من غزة تقابله غارة صهيونية", متسائلا هل نضع صواريخ المقاومة في دائرة الاتهام ونترك من خلفها؟ وهل يمكن ان يتدحرج التصعيد الى مواجهة واسعة حالياً؟ وما هي معايير الريح والخسارة من التهدئة غير المرتبطة بزمن؟
وهنا اعتبر الشيخ خليل ان ما يجري على الساحة الفلسطينية اليوم هو مواجهة واسعة في كل الاراضي المحتلة وليس في غزة فقط, ولا يجب الانتظار حتى تسقط (إسرائيل) آلاف الاطنان من المتفجرات حتى تبدأ المواجهة, مطالبا تيار المقاومة بالتحرك باتجاه بناء حركة تحرر فلسطينية توظف كل امكانيات المجتمع الفلسطيني.
من جانبه قال د. صافي انه من الصعب حدوث مواجهة واسعة او حرب (إسرائيلية) على غزة نظراً للمتغيرات العربية والدولية الكبيرة التي تنشغل (إسرائيل) بتحليلها وقراءتها ومعرفة مدى تأثيرها عليها.
ورأى بأن التهدئة المفتوحة مع الاحتلال حالياً تمثل اشكالية للطرف الفلسطيني ويجب عليه ان يعيد حساباته بها لأنها في الماضي كانت تهدئة مشروطة ومرتبطة لكنها اليوم تهدئة مقابل تهدئة وبلا سقف زمني.
من جانبه اعتبر الصحفي باسم أبو عطايا أن (إسرائيل) عيش اليوم وضعا مأزوما, وان الازمة ليست اقتصادية واجتماعية بحتة كما هي في الظاهر, حيث ان هذه الاحتجاجات ستطال الجانب السياسي الذي سيعود بالنفع على الطرف الفلسطيني في حال جرى اسقاط حكومة نتنياهو وخرج الليكود من الحكومة, معتبراً ان (إسرائيل) قد تستغل هذه الصواريخ التي تطلق من غزة للخروج من أزمتها الداخلية ومحاولة انعاش اقتصادها الذي يشهد جموداً.
وهنا رد الشيخ خليل بأنه ضد التعويل على ما يجرى داخل (إسرائيل), قائلاً " من يستطيع ان يستفيد من التحولات الكبرى هو الذي يستطيع مراقبة كل الاحداث واستغلالها لصالحه", محذراً من التعاطي مع التصريحات (الاسرائيلية) التي لها ابعاد واهداف سياسية.
من جهته قسّم الصحفي زاهر البيك الصواريخ التي تطلق من غزة الى قسمين: صواريخ تطلق عشوائيا من أفراد أو مجموعات مجهولة الهوية, مبينا ان هذا الصنف يستثمره الاحتلال لصالحه, أما القسم الثاني - من وجهة نظر البيك - فهي الصواريخ التي تطلقها بانتظام الأجنحة العسكرية المعروفة وبإجماع التنظيمات الفلسطينية على اطلاق الصواريخ لهدف ما.
وهنا تساءل الصحفي البيك: هل يستثمر جيش الاحتلال هذا النوع من اطلاق الصواريخ خاصة في ظل وصول مداها الى خمسين كيلو متر مربع مما يضع السكان اليهود تحت التهديد؟.
الدكتور صافي أجاب بأن الاحتلال يخشى استئناف اطلاق منظم ومكثف للصواريخ لأنه لا يريد أن يضع مناطق جنوب الأراضي المحتلة تحت تهديد غزة, ومناطق شمال الأراضي المحتلة تحت تهديد صواريخ حزب الله.