لمى خاطر
يبدو أن هذا العام سيكون –على النطاق الفتحاوي- عام التصفيات الداخلية لحسابات متباينة داخل الحركة، أطرافها قيادات الصفّ الأول، وتحديداً عباس ودحلان، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات كبيرة على الحركة كون الاثنان يتمتعان بنفوذ واسع داخلها ويكادان يتقاسمان مفاصل الهيمنة فيها.
وبغضّ النظر عن خلفيات الخلاف الحقيقية، وأسباب الإصرار على استبعاد دحلان نهائياً ومعه كل أتباعه، فإنه من غير المتوقع انتهاء الإشكالية سريعاً، والنجاح في تحييد دحلان وأتباعه فتحاويا، فإن كان عباس يمتلك سطوة الهيمنة ويمثل الشرعية الفتحاوية، ويحظى بشعبية أكبر في صفوف فتح وخصوصاً في الضفة حيث تسيطر الحركة، فإن دحلان ما زال يمتلك هيمنة كبيرة على الإعلام الفتحاوي، ويكاد يسيطر بشكل مطلق على الإعلام الإلكتروني لفتح، إضافة إلى تمتعه بعنصر قوة آخر يتمثل في المال الذي اتهم بكسبه بطرق غير مشروعة مستغلاً مناصبه وعلاقاته السابقة، وهذا العنصر يعدّ مفتاحاً للنفوذ داخل الحركة وتجنيد الأتباع وتجييشهم لصالح أي قيادي بمقدار ما يضخ في جيوبهم من أموال، وما يؤمنه لهم من مناصب ووظائف.
نعود لقضية الإعلام الإلكتروني الفتحاوي الذي يبدو منذ اندلاع الأزمة مصبوغاً بنَفَس دحلاني واضح، وهو أمر قد يبدو لبعض المتابعين مؤشراً على شعبية الرجل في صفوف حركته، لكن الحقيقة أن هيمنته على مفاصل هذا الإعلام كون إدارته أسندت إليه بالمطلق بعد مؤتمر فتح السادس، جعله قادراً حتى اللحظة على الإمساك بأطرافه وتوجيهه في خدمة شخصه وفي إدارة معركته ضد عباس وبقية القيادة في الحركة، ويبدو أن القيادة الرسمية لفتح قد أدركت منذ وقت سابق وحين بدأ التصارع بين المواقع الإلكترونية الفتحاوية حجم خطئها حين أوكلت إدارة إعلامها لدحلان، وحين طفق يوظفه للتمجيد بشخصه حتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة.
الطريف في الأمر أن فتح كانت قد رأت في دحلان الشخص الأقدر على هزيمة حماس إعلامياً، كونه ببساطة مستعداً لاختراع منظومة كاملة من الأكاذيب قام عليها جلّ الخطاب الإعلامي لفتح، ولا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، بعد أن باتت مسلّمات في عرف الحركة، وأسهمت في انحدار مصداقيتها بشكل كبير، بعد امتهان الكذب من قبل الغالبية الساحقة لناطقيها، وكل هذا كان بوحي من استراتيجية دحلان الإعلامية الفاشلة التي كانت فتح سعيدة بها. وها هي اليوم تشرب من الكأس ذاته، بعد أن قررت المنظومة الإعلامية التي لا يزال دحلان يهيمن عليها استخدام السياسة ذاتها مع الشقّ المناوئ له داخل فتح، فصرنا نطالع يومياً كمّاً غير قليل من الأخبار المفبركة التي ينتجها الخيال الدحلاني وتتوزع ما بين البيانات المكذوبة المنسوبة لتجمعات عشائرية أو لأجنحة فتحاوية مسلحة وكلها تنتصر لدحلان وتنفي ما يشاع عنه وتتوعد أعداءه بالويل! وما بين فبركة تصريحات ونسبتها لشخصيات معينة داخل الحركة، أو إطلاق اتهامات دون حساب بحق قيادات معادية لدحلان، أو بث تقارير تمجّد (بطولاته) وتذّكر بتاريخه (النضالي) العريق!
وعلى كلّ حال، يبدو أن هذه السياسة باتت تقريباً آخر السهام في جعبة دحلان، وهي ستنفذ بعد أن تأخذ مداها، لكن آثارها في الجسد الفتحاوي ستكون بالغة، أما دور الرجل الفعلي فقد انتهى منذ عام 2007، حين سقط كخيار إسرائيلي يمكن الاعتماد عليه في إنجاح الأجندة الصهيونية، وذلك على إثر فشله الذريع في إخضاع حماس في غزة رغم الدعم الكبير الذي حظي به من أمريكا وإسرائيل، ولولا رفع الغطاء الإسرائيلي عن دحلان لما استطاعت قيادة فتح أصلاً أن تمضي في مواجهته وأتباعه لهذا الحدّ، ولا أن تقطع كل خطوط الرجعة أمامه وأمامهم!