فايز أيوب الشيخ
يهدد قادة الاحتلال (الإسرائيلي) بمواجهة ما يسمى "استحقاق أيلول"؛ وذلك لتبرير التجهيزات العسكرية الجارية من جهة المؤسسة العسكرية (الإسرائيلية) ونيتها استخدام القوة المفرطة ضد التحركات الشعبية التي يمكن أن تندلع في المناطق الفلسطينية وعلى الحدود المحيطة بالكيان.
وكان عشرون شهيدًا ارتقوا وأصيب المئات خلال إحياء الفلسطينيين والعرب للنكبة الفلسطينية التي مرت ذكراها الـ63، وذلك في مسيرات سلمية جرت هذا العام على حدود لبنان والجولان وقطاع غزة والضفة المحتلة.
التوقعات (الإسرائيلية)
ومع اقتراب شهر أيلول/سبتمبر لهذا العام ونتائج طلب رئيس السلطة محمود عباس من الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تتزايد التوقعات لدى العناصر الأمنية (الإسرائيلية) بأن دولتهم ستواجه خلال هذا الشهر أسوأ السيناريوهات.
ووفق ما نشرته صحيفة "معاريف" العبرية فإن ما يسمى النظام الأمني (الإسرائيلي) يتجهز وبكل قوته لمواجهة سيناريوهات متوقعة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، "وعلى رأس هذه السيناريوهات تخلي السلطة الفلسطينية عن مسؤولية الأمن في الضفة الغربية، أو مظاهرات فلسطينية عارمة تنظم باتجاه المستوطنات (الإسرائيلية)".
وأشارت الصحيفة إلى أن الآراء في جهاز الأمن (الإسرائيلي) متضاربة بخصوص تأثير الاعتراف بالدولة الفلسطينية، "ففي حين يؤكد ضباط كبار في الجيش (الإسرائيلي) أن الوضع لن يتدهور تحذر عناصر أخرى -رفيعة المستوى- من مفاجآت متوقعة ومخيفة يمكن أن تحدث في شهر سبتمبر".
السيناريوهات المحتملة
وفي هذا الصدد قال الخبير والمحلل العسكري واصف عريقات لـ"الرسالة نت" إن (إسرائيل) تأخذ على محمل الجد ما سيجري لها من خسارة إستراتيجية تنتج عن توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة، مشيرا إلى أن تهديدات الاحتلال ليست تكتيكية بقدر ما هي حقيقية، وموضحا أن (إسرائيل) حضرت على أرض الواقع نفسها وأعدت سيناريوهات عديدة، "منها أنها جلبت معدات حديثة تحاكي فيها مواجهة المسيرات والمظاهرات الشعبية التي يمكن أن تخرج في أيلول".
أما المحلل في الشأن (الإسرائيلي) محمد مصلح فيرى في الاستعدادات العسكرية من جانب الاحتلال أن فيها مبالغة كبيرة، وأن(إسرائيل) تريد توظيفها لمصلحتها، "وتُجيش الرأي العام الداخلي والخارجي ضد ما تعتبره تمردا وخروجا عن الهدوء في الأراضي الفلسطينية"، مشيرا إلى أن قادة الاحتلال يحاولون تصوير "خطوة أيلول" على أنها خطوة أحادية ستؤثر على اتفاق "أوسلو" ومسار المفاوضات.
وقال مصلح لـ"الرسالة نت" إن رئيس الحكومة (الإسرائيلية) -تحديدا- يحاول في الوقت الراهن أن يوظف الوضع السياسي الحالي ويصدر أزمته الداخلية للخروج من مأزقه الذي يعيشه داخل المجتمع (الإسرائيلي)، "والذي لأول مرة يصل إلى هذا المستوى من التمرد"، وفق رأيه.
واعتبر أن "التجييش العسكري" هو مزيج من الردود المعقدة اتجاه وضع معقد على ما تشهده (إسرائيل)، "سواء في الداخل أو الخارج"، موضحا أن هناك أحداثا متراكبة -وبخاصة في المشهد السوري- لها علاقة بخشية (إسرائيل) من أن يستغل النظام السوري الحالة السياسية ما بعد سبتمبر لتصدير أزمته الداخلية إلى الجبهة السورية.
يذكر أن جيش الاحتلال (الإسرائيلي) شرع مؤخرا في زرع ألغام مضادة للأفراد على امتداد الحدود مع سوريا في هضبة الجولان المحتل وذلك لأول مرة منذ عشر سنوات، حيث المخاوف الإسرائيلية من إقدام الجيش السوري على هجوم مباغت للفت الأنظار عما يجري من قمع للثورة الشعبية الداخلية التي تطالب برحيل نظام "الأسد".
المتخصص في الشؤون (الإسرائيلية) عامر خليل اعتبر من ناحيته أن الاستعدادات (الإسرائيلية) تشكل نوعا من الضغط على السلطة حتى لا تتوجه للأمم المتحدة، لافتا إلى أنه وبذلك تريد (إسرائيل) أن تقول إن الأمور ستكون صعبة ومعقدة على السلطة إذا ما أقدمت على خيار الذهاب للأمم المتحدة، "هذا من ناحية".
ومن ناحية ثانية -وفق خليل- فهي رسالة للسلطة بأن الأوضاع يمكن أن تتدهور إلى مرحلة لا تستطيع فيها أن تسيطر على الأوضاع؛ مما سيضطر جيش الاحتلال لأن يتوغل في الضفة المحتلة ويدمر ما بنته السلطة على امتداد الأعوام الماضية مما كانت تزعمه عن استعداداتها لإقامة الدولة الفلسطينية.
وتوقع عامر لـ"الرسالة نت" السيناريو المحرج لـ(إسرائيل): "يزحف المتظاهرون الفلسطينيون بدون سلاح إلى المواقع العسكرية والمستوطنات (الإسرائيلية) ويجري الاصطدام مع قوات الاحتلال، وتتطور الأمور إلى مراحل لا تستطيع دولة الاحتلال أن تتحكم فيما يحدث فيها مستقبلا".
تصدي السلطة للمظاهرات
ووفق "معاريف" العبرية فإن أخطر السيناريوهات التي يتخوف قادة الاحتلال من وقوعها أن تمتنع السلطة عن التصدي للمظاهرات والاحتجاجات التي تنطلق من الضفة الغربية المناهضة لـ(إسرائيل)، "عكس ما فعلته خلال أيام الحرب (الإسرائيلية) الأخيرة على قطاع غزة من منع لأي مظاهرة ضد (إسرائيل)".
واعتبر خليل أن (إسرائيل) تقوم باستعدادات عملية لتجنب الوقوع في مأزق الصدام المباشر مع متظاهرين يحملون خيار العمل السلمي ضد الاحتلال، لافتا إلى أن هذه المسألة حساسة بالنسبة للاحتلال في كيفية التعامل معها؛ "لأنها -(إسرائيل)- لا تريد أن تظهر أمام العالم وكأنها تستخدم العنف الشديد كما حدث مع سفينة مرمرة وفي الأحداث الأخيرة للنكبة".
ولخص خليل ما ذكره سالفا من سيناريوهات فقال: "كل السيناريوهات مترابطة في بعضها بعضا، وفي نهاية الأمر فإن المسار الميداني سيحدد ما الذي سيحدث في أيلول القادم".
ميزانية لأسلحة "خاصة"
وطلبت الشرطة (الإسرائيلية) من وزارة مالية الكيان رصد ميزانية خاصة بمبلغ يفوق 200 مليون شيكل من أجل تدريب عناصرها الأمنية وشراء معدات خاصة؛ استعدادًا لمواجهة اندلاع أحداث واسعة في أيلول القادم، مشيرة إلى أنها بدأت قبل حوالي أسبوعين بتدريب أفرادها على مواجهة السيناريوهات المحتملة، "بما فيها سد طرق وإلحاق أضرار بالبنية التحتية في (إسرائيل)".
وعلق عريقات -الخبير والمحلل العسكري- بأن الاحتلال يجلب أسلحة من نوع خاص لاستخدامها في أيلول؛ "وذلك محاكاة للمظاهرات الجماهيرية وتفريقها بسرعة"، لافتا إلى أن لدى (إسرائيل) خشية من تحول المظاهرات في أيلول إلى حدودها ومناطقها، "وهي أعدت جبهتها وجيشها لمثل هذه السيناريوهات المحتملة".
وقال مصلح من ناحيته: "(إسرائيل) سواء توجهت للحرب أو لم تتوجه فهي دائما تعد نفسها للحرب وتحضر جيشها وجبهتها الداخلية لأي مفاجئات حربية"، موضحا أنها تحاول إخماد الاحتجاجات الجارية داخليا من باب تصوير أن هناك نقصا في ميزانية وزارة الحرب لمصلحة وزارات أخرى.
أما المحلل عامر فقال: "الاحتلال على مدار التاريخ يطالب بزيادة ميزانيته ويتحقق له الزيادة، حيث المبرر عادة أن هناك مخاطر تزداد وتتنوع"، لافتا إلى أن (إسرائيل) تقوم الآن بحملة مشتريات لهذه الأنواع من الأسلحة المختلفة التي تحاكي مواجهة المظاهرات الجماهيرية.
يذكر أن صحيفة "هآرتس" العبرية كشفت عن اتفاق مسؤولين أمنيين بسلطة رام الله مع ضباط (إسرائيليين) على تجنب التصعيد العنيف للأوضاع خلال شهر أيلول/سبتمبر، حيث تزامن ذلك مع تصريحات الناطق باسم أجهزة الأمن بالضفة عدنان الضميري بمنع أي مظاهرات عنيفة ضد الاحتلال خلال شهر سبتمبر.