د. عدنان أبو عامر
تبدو المحافل السياسية (الإسرائيلية) على قناعة أن الرسالة التي يحملها وزير الخارجية التركي "داوود أوغلو" إلى الرئيس السوري الأسد تحمل "إنذاراً أمريكياً تركياً"، بأنه في حال لم ينفذ وقف العمليات، وإعادة الدبابات إلى ثكناتها، فستبدأ عملية عسكرية يقوم بها حلف الناتو، بواسطة الجيش التركي ضد الجيش السوري، مما استدعى رداً من دمشق وطهران على الإنذار، حيث أعلنت الأولى بأن الضيف التركي سيعود إلى أنقرة حاملاً خطاً متعنتاً وأكثر، يرفض الإنذار حتى قبل أن يقدم له رسمياً.
مع العلم أن إيران حذرت تركيا عدة مرات في الأيام الأخيرة، من أنها لو شنت عملاً عسكرياً ضد سوريا، فإنها لن تجلس مكتوفة الأيدي، وستهب لنجدة الأسد، وستشن هجمات ضد أهداف عسكرية أمريكية داخل تركيا، لأن سقوطه بالنسبة لها يعتبر "مصيبة ذات عواقب على المدى الطويل"، لأن إيران مجردة من حليفها السوري، ومبعدة عن تركيا، ستتحول إلى قوة معزولة، ومكروهة في غالبية المجتمعات العربية، وهو ما دفع بالأسد لأن يقرر البدء في عملية عسكرية ضد دير الزور، ليسبق واشنطن وأنقرة، ويضع أمامهما حقائق تامة على الأرض.
حسم الخيار
وقدرت الأوساط أن الرئيس السوري يبدي قدراً كبيراً من عدم مبالاته بالإدانة واسعة النطاق، والعقوبات المتزايدة المفروضة عليه، والتحذيرات القادمة من المجتمع الدولي، ويبدو أنه أكثر تشبثاً بالسلطة على حساب حياة آلاف السوريين، ومع التزامه بالصمت، تبدو المسؤولية ملقاة على كاهل العالم بأسره فيما يتعلق بالتعامل مع التساؤلات المثارة حول كيفية الانتقال بحالة الاضطراب في سوريا إلى تطور سلمي ديمقراطي، لكن حتى الآن، لا توجد حلول سهلة في الأفق.
وأشارت إلى أن العالم لم يحسم خياره حول كيفية التعامل مع الأسد، بما في ذلك تركيا، الحليف السابق لها، وتحاول وضعه في مكانة وسطى بين الصديق والعدو، وفي الوقت نفسه، تنأى عن الدعوة للتدخل الغربي، الذي أثبت عجزه عن توفير حلول شافية في الماضي، لكن أخبار سقوط عدد هائل من القتلى جراء قمع الانتفاضة السورية من قبل النظام قوبل بإدانة كبيرة على مستوى العالم، في تخوف إلى أن معدل الوفيات المرتفع هو جزء بسيط من مشكلة أكبر، تتمثل باختفاء عدد ضخم من السوريين دون اقتفاء أثرهم، حيث تشير تقديرات حقوقية إلى سقوط ألفي قتيل، واختفاء 3 آلاف، واعتقال 40 ألف سوري.
كما أن دمشق بسياستها العنفية الحالية، آثرت حذو طهران، وتجاهلت تشجيع أنقرة على الحوار مع المعارضة، وجاء تفضيلها الأولى على الثانية "لأسباب براغماتية"، لأنهما تتقاسمان مخاوف مشتركة، حيث تتماشى مخاوف الأولى بشأن سقوط جبهة معارضتها ضد الولايات المتحدة و(إسرائيل) مع مخاوف دمشق بشأن بقائها، وأدى للتعاون المشترك بينهما.
في هذه الأثناء، يبدو أن هناك اتفاقاً بين الخبراء على أن فكرة من سيحل محل الأسد في حال سقوط نظامه تشكل أهمية خاصة لإيران، نظراً لأن سوريا حليفها الوحيد الذي يملك سلطة إنقاذها من قيود الخليج العربي، ولطالما كانتا متشابهتين، ليس في الأيديولوجية فقط، بل من حيث العزلة في منطقة لا ترحب بالشيعة، وهو أحد المخاوف التي تأكدت في اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت عام 2004، وتعهدتا فيها بحماية كلتيهما، في حالة مواجهة أي منهما لخطر.
في حين ترى محافل أخرى أن ما بين طهران ودمشق ليس "شراكة طائفية" بقدر كونه "تحالفا إستراتيجيا"، ما يعني أن إيران ستقوم بفعل بأي شيء لإبقاء الأسد في السلطة، لأنه من دونه ستصبح بوابتها للبحر المتوسط مغلقة، مما يجعل حقيقة أن الانتفاضة السورية هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لإيران، وللتوصل إلى حل يرضي الأسد، ربما تضغط إيران عليه للقيام بإصلاحات ثانوية لا تمثل قيمة حقيقية، لتقسيم صفوف معارضيه، وتكميم أفواه المجتمع الدولي.
في المقابل، ترى (تل أبيب) أن القوات الدولية التي عادة ما تسارع بالتدخل في سياسات الشرق الأوسط، يبدو أنها نأت عن محاولة الضغط على الأسد للتنحي، لكن مصادر دبلوماسية أوروبية ذكرت أن دبلوماسيين أميركيين أجروا مفاوضات مع معارضين سوريين لإنشاء مجلس انتقالي في سوريا على غرار ليبيا، إلا أن الخلافات بين أطياف المعارضة السورية قد لا تشجع على المضي بالخطة.
ما بعد الأسد
الخبير في الشأن الشرق أوسطي "اليعيزر فريدمان" قال إن الاحتجاجات السورية تعمل بصورة منظمة بما فيه الكفاية، حيث تنتقل الأحداث بين الحين والآخر من ساحة لأخرى، ففي حين تركزت في الشهر الأول في بلدة درعا، ثم انتقلت إلى حمص، فعادت إلى درعا، وتركزت فترة قصيرة في اللاذقية، ثم اندلعت بشدة كبيرة في حماة، وبعد ذلك بدأت الانتفاضة الكبرى في جسر الشاغور، حيث تجري بالتوازي مظاهرات عاصفة في دير الزور، وفي حلب ودمشق أيضاً جرت مظاهرات كبرى، رغم أنهما منذ شهرين ما زالتا هادئتين، لكن الأسبوع الأخير شهد عودتها لتكونا من بؤر الاحتجاج.
وتساءل: ليس واضحاً إذا كان هذا الترتيب مخططاً من زعماء الثورة، أم هي موجات عفوية من الانتفاضات التي تندلع بين الحين والآخر لتقمعها السلطات بيد من حديد، وأضاف: من الواضح أن الأسد يعيش في توتر في الأشهر الأخيرة، لأنه ليس بسيطاً العيش بعلم أنه في كل لحظة قد يندلع احتجاج في مدينة أخرى، ما يشجع على وصف الاحتجاجات السورية بـ"حرب الاستنزاف"، وخلافاً للثورات في مصر، تونس، ليبيا واليمن، فان الاحتجاج السوري لا يجري بالتوازي في كل أرجاء الدولة، بل يتركز في كل مرة في منطقة معينة، بينما يعرب باقي سكان المدن الأخرى عن التأييد والتضامن فقط.
وبينما حسمت الثورة في بعض البلدان العربية الأخرى في غضون شهر، لكن الوضع في سوريا يشير إلى أن الحكم لا يزال قوياً ومستقراً، ويسيطر على كل أجزاء الدولة، ولا يوجد متر واحد لا يسيطر فيه الأسد بيد عليا، وقد عملت السلطات "تحت الأرض" لتصفية أكبر عدد ممكن من زعماء ورواد الثورة، وإن نجحت جزئياً، إلا أن الأمر لم يعطها النتائج المنشودة، لان الاحتجاج السوري لا يعتمد على الزعماء، بل على الغضب الذي كان محشوراً على مدى السنين والكراهية الشديدة للحاكم الحالي.
مع العلم أن حقيقة كون سوريا دولة علمانية، إشارة ذات مغزى، لأن معظم المظاهرات في العالم الإسلامي تجري أيام الجمعة، وبالذات في الساعة التي يخرج فيها المصلون من المساجد، وطالما أن معظم الشباب السوريين لا يذهبون للمساجد، ولا حتى في أيام الجمعة، فإنه السبب في أن المظاهرات لم تصل حتى الآن أعداداً تناطح السماء، رغم الشجاعة والجسارة الشديدة للشباب السوري.