مصطفى الصواف
كل عام وانتم إلى الله اقرب، اليوم وقفة عرفة، اليوم يوم التضحية، اليوم يوم أن تل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل عليه السلام لذبحه امتثالا لقول الله تعالى"يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"، هنا تجلت طاعة العبد لله، وطاعة الابن للوالد، اليوم يوم العظمة والفرحة، عندما تقف هذه الملايين من المسلمين وقد تركت الجاه والأولاد والمال والمناصب وتساوت جميعها أمام الله في يوم الله الأعظم يوم عرفة.
وغدا الجمعة أول أيام العيد، يوم الجائزة، يوم الرحمة، والتراحم والتزاور، وصلة الرحم، والتواصل بين الناس وإنهاء القطيعة لو كانت، وما أكثرها، يوم الفرحة التي يدخلها الأهل على نفوس أسرهم والأطفال منهم، يوم مسح رأس يتم سواء كان أبن شهيد، أو غير شهيد، يوم لنشر المحبة بين الناس، يخرج الجميع بعد الصلاة والابتسامة تعتلي الوجوه، والصدور مفتوحة لتلاقي الصدور المغمورة بالمحبة والخير.
هذا يوم إراقة الدماء تقربا إلى الله عز وجل، اليوم تُطرق البيوت وتُقدم الهدايا للناس، كل الناس، وأكثر حاجة إليها الفقراء والمحتاجين، وكم هم بيننا في قطاع غزة، وكم هؤلاء بحاجة إلى من يصلهم ويزورهم ويتعرف إلى حاجاتهم، زياراتهم تصبح واجب، وتقديم الهدايا لهم ولأطفالهم، اليوم يوم التزاور، لأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين، لعل مثل هذه الزيارة تعوضهم عن شيء غالي افتقدوه، هذه الزيارات تشعر هذه الأسر بأننا معهم ونواسيهم ونخفف عنهم ونتعرف على أحوالهم، بها تزيد الروابط الحميمة والعلاقات الاجتماعية؛ الأمر الذي ينعكس على النفوس قوة وعلى المجتمع تماسكا.
ما أحوجنا أن نطرق كل الأبواب إن استطعنا، وأول هذه الأبواب أرحامنا، هذه الأرحام التي اشتق الله عز وجل اسمها من أسمه، ومن يصلها كمن يصل الله عز وجل، ومن قطعها كمن يقاطع الله عز وجل، ليكن هذا اليوم صفحة جديدة مع الذات ومع الأرحام مهما كانت القطيعة كبيرة أو المشكلة معمقة أو الخلاف كبير، ألا يكفينا أن الله سيصلنا لو وصلناها وصلا فيه تراحم دون منة، وصلا لوجه الله تعالى، حتى يرضى الله عنا ويجمع شملنا ويفرج كربنا ويزيل البغضاء والشحناء من نفوسنا.
ومن هنا أود أن ادخل إلى الوضع السياسي، والخلاف بين فتح وحماس، والذي انعكس على الناس، وبات هناك فجوة كبيرة، لتكن هذه الأيام بداية نحو الاعمار، اعمار النفوس وإزالة الأنقاض التي رست في الصدور، يجب أن لا نتردد في زيارة بعضنا البعض مهما كانت ردات الفعل التي يجب أن لا نفكر فيها كثيرا؛ طالما أننا نتوجه بهذه الزيارة أولا لوجه الله، ثم لإعادة اللحمة، وبصدور منشرحة ،ونفوس خالية من الأحقاد، وبعقل متفتح وبقلب مملوء بالحب والتقدير، يجب أن نصفح، وان نتغافر، وان يعذر كل منا الآخر، لسنا منزهون عن الخطأ، فكلنا اخطأ وإن اختلفت النسب، ولكننا جميعا ارتكبنا أخطاء، ولكن ما يمنع أن نعترف بالخطأ، ونعمل على تصحيح ما ترتب عنه، نحن بحاجة إلى وحدة القلوب قبل وحدة الصفوف، نحن بحاجة أن نكون يدا واحدا وقلبا واحدا.
لتكن أيام عيد الأضحى مناسبة لفتح صفحة جديدة، نخط فيها ملامح المستقبل القادم، ونعمل على حشد طاقاتنا كل طاقاتنا نحو التحرير والخلاص من الاحتلال، هذا هو هدفنا وهذا مبتغانا جميعا؛ وإن اختلفت الأدوات، ويجب أن لا نلتفت إلى الموتورين أو الفاسدين وان نحكم شرع ربنا في كل ما نقوم به؛ لان في ذلك الخلاص الخلاص.