غزة - أمل حبيب-الرسالة نت
في قديم الزمان ولد على أرض الكنانة فانوس صغير أنار الطرقات المظلمة فرحا بهلال رمضان.. صنعه الصغار بأناملهم مستخدمين أدوات بسيطة (تنكة أو زجاجات ملونة) وغنوا على لهبه: "حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو".
تغير شكل الفانوس ليواكب التطور فأصبح يعمل على البطاريات ويغني ليريح أحبال الأطفال الصوتية, ولكن جوهره لم يتغير لارتباطه بشهر الخير والبركة وعلاقته المتينة مع الهلال.
فهل فكرت يوما لماذا يرتبط الفانوس بشهر رمضان؟، وما هو أصله؟، وما سر الصداقة بينه والهلال؟.. أسئلة كثيرة جابت في خاطر (الرسالة نت) فأصرت على التعرف على حكاية فانوس رمضان.
زينة وتراث
هناك العديد من القصص والحكايات عن سبب ارتباط الفانوس بشهر البركة.. المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض يأخذنا في جولة إلى أرض الكنانة قائلا: "أول فانوس أضيء هو يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة في شهر رمضان عام 358ه بعد الغروب، فخرج الناس لاستقباله حاملين الفوانيس لينيروا له الطريق", وأضاف: "بذلك ارتبط الفانوس نفسيا بشهر رمضان وبالفرحة لقدوم المعز".
ومن القصص الأخرى لحكاية الفانوس يحدثنا المؤرخ الفلسطيني بأن الفانوس كان يستخدمه الخليفة الفاطمي ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، "وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق حاملين الفوانيس", ويذكر أيضا أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق الفوانيس.
وتعتبر مصر أكثر الدول استخداما للفانوس كتقليد في شهر مضان، ولكن هذه العادة انتقلت إلى من جيل إلى جيل.. يقول المبيض: "في الماضي كانت تنتقل الثقافات والعادات بين البلدان بصورة سريعة لأن أرض العرب للعرب.. ولا حدود ولا تأشيرات للدخول".
أما بالنسبة لفلسطين فكان الناس يخرجون للزيارات وللحكواتي ليلا فيحملون الفوانيس لعدم وجود الكهرباء، وكان الأطفال يصنعون فوانيسهم بأيديهم ويتنافسون.. منهم من يمسك بتنكة فارغة ويعمل بها بابا وثقوبا ويضيء شمعته، والآخر يستخدم زجاجة فارغة ملونة ويجتمعون ويغنون فرحا برمضان.
وتروى إحدى القصص عن سبب ارتباط الفانوس برمضان، وهي أنه لم يكن يسمح للنساء خلال العصر الفاطمي بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان، وكان يسبقهن غلام يحمل فانوسا لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا.
وقد تغير شكل فانوس رمضان فأصبحت ألوانه زاهية وشكله متناسقا، ويؤكد المبيض أنه مهما اختلف شكل الفانوس يبقى الجوهر واحدا، "وهو الإضاءة فرحا برمضان", مشيرا إلى أنه كان يصنع من النحاس ويوضع بداخله شمعة، "وبعد ذلك أصبح يصنع من الصفيح والزجاج الملون، أما الآن فأغلب الفوانيس الحديثة تصنع من البلاستيك وتعمل بالبطاريات".
أكبر فانوس بالعالم
ومن باب الاهتمام بفانوس رمضان صنع رجل من عائلة مسعود وأبناؤه فانوسا يبلغ طوله 15 مترا ليلة ثبوت رمضان، وتمت إضاءته في ساحة الكتيبة غرب مدينة غزة التي تعاني من أزمة كهرباء.
واعتبر صناع الفانوس أنه رسالة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية لدعوتهما لإنجاز المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع، "ورسالة إلى العالم أن غزة من حقها أن تفرح وأن تمنح الأمل لأطفالها على الأقل".
كما أن الكثير من أصحاب المحلات التجارية والمؤسسات والمساجد يعلقون فانوس رمضان رمزا للفرحة بالشهر الفضيل.
ويبقى الفانوس علامة بارزة من رموز رمضان التراثية ولا يمكن التخلي عنه، واليوم ومع اقتراب نهاية الشهر الفضيل ينتظر فانوس رمضان بشوق رؤية صديقه الهلال من جديد ليضيء فرحا به.