قائمة الموقع

مقال: ما بعد (إيلات).. تهديد سيناء والرد على غزة

2011-08-27T08:51:41+03:00


د. عدنان أبو عامر    
     كشفت تسريبات (إسرائيلية) عقب عملية إيلات أنه وفي ظل المعطيات الحالية، فإن خطر التصعيد قد تلاشى، وأن الأطراف في طريقها إلى التهدئة ما لم تقع أحداث شاذة، وقد تم اتخاذ قرار بعدم إعلان حالة الطوارئ في الجبهة الداخلية في مستوطنات غلاف غزة.
     في غضون ذلك وكشف الصحيفة عن وجود انتقادات داخل الجيش بخصوص الرسالة التي تلقتها غزة، وتأثيرها على مجريات القتال في المستقبل, لاسيما عدم الرد والتخوف من أن سياسات كهذه ستؤدي في المستقبل بالفصائل في غزة لتوسيع دائرة النيران.
     فيما طالبت أوساط عسكرية بـ"تعزيز الردع" مقابل قطاع غزة، وتحديد قواعد لعبة مختلفة تقلص النشاط الفلسطيني في سيناء، بهدف الوصول إلى فترة جديدة من التهدئة إلى ما بعد أيلول على الأقل، حيث بادرت (تل أبيب) لـ"هجوم موضعي ناجح" قام به الجيش والشاباك، بناء على أوامر رئيس الحكومة ووزير الحرب، بعد ساعات معدودة من هجمات إيلات، ولم يكن هدفها الانتقام للقتلى، بل "استغلال فرصة عملانية" في توقيت مناسب كما حصل في السابق، وإبلاغ المنظمات الفلسطينية بأن قواعد اللعبة قد تغيرت.
     وخلافاً لما كان عليه في السابق، فإن الجيش سيرد على عمليات أو إطلاق صواريخ تطلق من الأراضي المصرية في سيناء، بالضبط كما يفعل عندما تطلق مباشرة من قطاع غزة، وبحسبه فإن عدم الرد العسكري الصارم على النشاطات في سيناء أدى في الماضي لجعل حماس والمنظمات تعتقد أن "العنف" من سيناء شرعي وحصين، إلا أن هذا الوضع انتهى.
     ومن الجائز الافتراض بأنه في الأيام القريبة سيتم تطبيق القاعدة الجديدة، التي لا تضمن وقف العمليات من هنا كذلك لأن تطبيقها مرتبط بمعلومات استخبارية نوعية عما يتم طبخه في قطاع غزة، مع الإشارة لمجموعات جهادية تنشط فيها، لا توجد لحماس في غزة سيطرة عليها.
• الشاباك يتهم الجيش
     ويمكن الاستخلاص إلى أن كافة الجهات ذات الصلة بالتصعيد العسكري والسياسي الحالي؛ (تل أبيب) والقاهرة وغزة، لديهم مصلحة في إعادة التهدئة، متوقعاً عودة الهدوء للجبهة الجنوبية في الأيام القريبة، ليندلع بعده نقاش حاد بين وزارة المالية وبين الأجهزة الأمنية بشأن زيادة الميزانية المطلوبة لمشروعين هدفهما تغيير الوضع في الجنوب: استكمال السياج الحدودي على طول الحدود مصر، وشراء بطارية "القبة الحديدة" في السنة القريبة.
     من جهتها، قدّرت أوساط أمنية بأنّ "الشاباك" أوصل المعلومات الدقيقة للجيش، الذي ارتكب خطأ فادحاً في تقييم الوضع، مما سمح للخلية بتنفيذ العملية النوعيّة بطريقة صحيحة، وما من شك بأنّ الفدائيين سيقومون في المستقبل المنظور بمحاولات عديدة لتنفيذ عمليات مشابهة، فيما اعتبرت العملية تنبيهاً للتغيير الجوهري الذي يجري في الحدود الجنوبية، فحقيقة أن قوة كبيرة من المسلحين استعدت، تحركت، وتمتعت بحرية عمل في سيناء على مدى زمن طويل لا تدل فقط على وهن سيطرة الجيش المصري في سيناء، بل على تغيير استراتيجي في الميل في المنطقة، وحماس هي الرابح الأكبر من التفكك المصري، ولم تكن قبل نصف سنة، لتخاطر فتسمح لنفسها بالسماح بمثل هذا الهجوم.
     كما أن تنفيذ العملية واستخدام سيناء كقاعدة يشيران إلى أن حماس تلاحظ الفراغ الناشئ هناك، وتعتبره فرصة لتوسيع ساحة القتال حيال (إسرائيل) لتشمل شبه الجزيرة، في ظل الفهم بان القيادة العسكرية في مصر، وتعزز المحافل المتطرفة هناك لن يشكلا عائقاً أمام خطوة تحويل سيناء إلى لبنان ثانٍ، ومثل هذا التغيير سيشكل انجازاً استراتيجياً في تحطيم الطوق الخانق على القطاع، وخلق مجال عمل جديد له.
     ويمكن حصر الفوائد التي ستنتزعها حماس من مثل هذه الخطوة:
1. سيناء تشكل جبهة داخلية لوجستية، محور تسلح، وظهر استراتيجي لحماس في القطاع.
2. فتح جبهة على بطن طرية في دفاع الجيش في الجنوب، حدود طويلة وسائبة مع انتشار هزيل نسبياً للقوات، سيعيد لها بعد المفاجأة في الهجوم في مناطق وأماكن غير مرتقبة.
3. مثل هذه العمليات ستحرم الجيش من قدرة المطاردة لمنفذي العمليات في عمق سيناء، لأنها ستكون خرقاً لاتفاقات السلام، ويمكنها أن تفسر كاستفزاز للحرب.
4. تحاول حماس بناء معادلة جديدة، فعملية من سيناء لا يفترض جر رد فعل صهيوني في القطاع، ولهذا فهجوم الجيش على غزة "سيبرر" إطلاق الصواريخ من القطاع للأراضي الصهيونية.
* التسلح والتقوي
     ولا ترى حماس وضعاً يعاد فيه احتلال القطاع، على العكس، صحيح أنها تلقت ضربة شديدة، لكنها ليست قاضية، وبقدر كبير عزز بقاءها مكانتها وصورتها، وجعلها الجهة مساوية القيمة لحزب الله، ومنذ العملية واصلت حماس التسلح والتعزز، حتى النقطة التي كانت مستعدة فيها لان تأخذ المخاطرة، ومع ذلك فإن على (إسرائيل) أن تستوعب بان الساحة الجنوبية تغيرت بشكل كبير، وضعف الجيش المصري، وصعود قوة محافل متطرفة هناك، بجانب تطلع حماس لاستغلال الفرصة، وتصعيد الاحتكاك مع مصر قد يؤدي لتدهور حقيقي، وخطر على اتفاق السلام.
     وهنا، يجب التصدي لجذر المشكلة في غزة، باستغلال التدهور الحالي، والخروج لعملية جذرية لتحطيم القوة العسكرية لحماس، للوصول إلى تجريد القطاع من السلاح، مهما يكن من أمر، على (إسرائيل) اتخاذ قرارات صعبة وفورية، كي لا نجد أنفسنا ننجر وراء الواقع الجديد الذي بات هنا منذ الآن.
     وهناك من اعتبرها "إخفاقا أمنيا"، فقد تسللت خلية من غزة مع أحزمة وشحنات ناسفة، ووجه "الشباك" إنذاراً، لكن متخذي القرارات وعناصر الأمن ناموا في الحراسة، مما حدا بأوساط عسكرية لأن تطالب بتوجيه رسالة لحماس بعدم تحدي (إسرائيل) لدرجة دفعها للتفكير بإمكانية شن عملية برية لتحطيم حكمها، ومثلما تصرفت في الماضي، من المتوقع لحماس أن تتوقف في اللحظة التي تشعر فيها بأن الأخيرة "توشك على الجنون"، والإيضاح لرب البيت في القطاع بأنه سيدفع ثمناً على استمرار إطلاق النار، وكلما تصاعد إطلاقها، سيرتفع الثمن بناء على ذلك.
     فما رأت ذات الأوساط أن علاقات قيادة حماس في غزة مع المنظمات الأخرى عبارة عن "علاقات مركبة"، وأحد ضباط الجيش شبهها بعلاقات ياسر عرفات مع حماس، فإذا كانت حماس هي الحكم صاحب السيادة في غزة، فلا يمكنها أن تعفي نفسها من المسؤولية، في النهاية تجدها تنجر للتدخل، في معركة لا ترغب فيها، وحكومة (تل أبيب) لن تحقق نصراً في هذه المعركة، وفي ذات الوقت فإن التقدير السائد لدى (إسرائيل) حالياً في الساحة الغزية أنها لا تعتزم الإنجرار الى حملة واسعة النطاق على نمط رصاص مصبوب، وذلك انطلاقا من التقدير بان حماس أيضا معنية بانهاء جولة التصعيد الحالية في الايام القريبة القادمة.

اخبار ذات صلة
مَا زلتِ لِي عِشْقاً
2017-01-16T14:45:10+02:00