قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: (إسرائيل) واختبار الثورات العربية

خالد السرجاني

الحادث الحدودي الذي شهدته الحدود المصرية (الإسرائيلية)، يؤكد أن (إسرائيل) ما زالت لا تستوعب التغيير الذي شهدته المجتمعات العربية، ليس المجتمع المصري فحسب الذي شهد ثورة أسقطت النظام، وإنما باقي المجتمعات التي تأثرت إيجاباً بما حدث من تغيرات في كل من تونس ومصر.

وهذا يدفعنا إلى طرح أسئلة حول هل نجحت (إسرائيل) أمام اختبار هذه الثورات؟ فالحاصل أن الأنظمة التي سقطت كانت الأكثر صداقة مع (إسرائيل)، سواء الدولة أم كبار مسؤوليها، وكان حكامها ينطلقون من فرضية خاطئة، هي أن رضى (إسرائيل) عنهم يمكن أن يساعدهم على الاستمرار في مواقعهم القيادية، لأنها تستطيع أن توظف جماعات الضغط الموالية لها في دول الغرب من أجل تأمين الدعم الغربي لهم. ولكن هذه الفرضيات ثبت عدم صحتها، وحتى الدعم (الإسرائيلي) غير المحدود لهذه الأنظمة خلال اندلاع الثورات الشعبية ضدها، لم يُجد في إطالة عمرها ولو حتى لأشهر معدودة.

وقد كانت (إسرائيل) هي الخاسر الأكبر من الثورات العربية التي نجحت حتى الآن، وهناك مؤشرات على أن الثورات لو نجحت في دول أخرى فإنها سوف تأتي هي أيضاً على حساب (إسرائيل). فالمجتمعات العربية ما زالت ترى أن (إسرائيل) هي عدوها الأساسي، وتضع هذه المجتمعات تحرير فلسطين على قمة أولوياتها الراهنة، وأثبتت أحداث 4 مايو الماضي هذا الأمر.

حيث خرجت مظاهرات حاشدة في معظم الدول العربية تندد بالاحتلال (الإسرائيلي) لفلسطين. وكان نجاح الثورة المصرية مقدمة لنجاح حكومة الثورة في تحسين العلاقة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، في ما عرف باتفاق المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي مثل ضغطا على (إسرائيل).

وكان المتوقع هو أن تتكيف (إسرائيل) مع المعطيات الجديدة، عبر سياسات أكثر اعتدالاً، وعبر تقديم تنازلات جدية في المفاوضات بينها وبين المفاوض الفلسطيني، بما يحل السلام حتى ولو كان هشاً، لكنها اختارت سياسة الصدام والتشدد والغطرسة، الأمر الذي جعل الثوار في الوطن العربي يتشددون تجاهها هم الآخرون. وهناك من يرى أن سياسة التشدد والصدام هي سياسة عمدية، تسعى (إسرائيل) من خلالها إلى اختبار موقف الثورات العربية منها، وكوسيلة منها أيضاً لدفع الحكومات الجديدة إلى مواجهات هي غير مستعدة لها، بهدف عرقلة جهودها في بناء الأنظمة الجديدة من جهة، وانتقاماً منها للحكومات الصديقة لها التي أسقطتها الثورات.

وكان المتوقع أن تؤدي الثورات العربية إلى دفع المجتمع (الإسرائيلي) إلى الاعتدال عبر زيادة شعبية القوى المعتدلة فيه، ولكن ما حدث هو العكس، ما يؤكد الصورة التقليدية الشائعة التي ترى أن (إسرائيل) مجتمع استعماري عنصري، يعتمد في بقائه على الدعم الخارجي الذي يطوع بعض حكومات المنطقة لكي تهادن (إسرائيل).

لقد طرحت وسائل الإعلام الغربية آراء عديدة حول الثورات العربية، ورأت أنها تهتم بالمحلي وليس بالقومي، وكان ذلك لأن الهتافات والبيانات التي ظهرت أثناء الثورات، لم تتضمن أي شيء عن فلسطين ولا عن (إسرائيل). وفي مصر على سبيل المثال، كان الحديث حول تصدير الغاز لـ(إسرائيل) باعتباره إهداراً للمال العام ولأنه بأسعار تقل عن أسعار السوق العالمية.

ولكن هذا الأمر كان يتعلق فقط بأولويات الثوار، وهم يعتبرون أن أكبر مواجهة لـ(إسرائيل) تتمثل في تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي، وفي إعادة بناء المجتمع على أساس العلم والعدل. ويبدو أن (إسرائيل) تدرك ذلك جيداً، وتدرك أن هذا المجتمع لو تأسس فعلاً فسوف يكون أفضل تحد لها، من هنا فهي تسعى إلى جر النظم الجديدة إلى المواجهة، من أجل عرقلة هذا البناء.

وكانت (إسرائيل) واحدة من المتهمين الأوائل في ما يتعلق بالوقوف وراء الثورات المضادة في الدول العربية، خاصة مصر، حيث اتهمها الثوار بأنها تقف وراء الأحداث الطائفية التي شهدتها مصر بعد نجاح الثورة. كذلك فإن دفاع كبار مسؤوليها عن الرئيس السابق حسني مبارك يستفز الثوار.

وحديث إعلامها عن الانتخابات المصرية المقبلة، سواء البرلمانية أم الرئاسية، يزيد من استفزازهم، لأنهم يتعاملون مع مصر وكأنها جمهورية من جمهوريات الموز التي كانت تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، قبل ما شهدته أمريكا اللاتينية من حركات ثورية وتغييرات سياسية، أدت إلى أن أصبح معظم دول أمريكا اللاتينية دولا مستقلة في سياستها عن الولايات المتحدة.

فهل تريد (إسرائيل) استفزاز الثوار والحكومات الجديدة من أجل دفعها إلى المواجهة؟ أم من أجل أن تجبرها على تقديم تنازلات لها؟ أو من أجل أن تضغط الولايات المتحدة على الحكومات الجديدة لدفعها إلى المزيد من طمأنة (إسرائيل) حول مستقبل العلاقات معها؟

وكانت (إسرائيل) قد نجحت في ذلك عقب نجاح الثورة المصرية، عندما أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر بياناً أكد فيه الالتزام بالمعاهدات التي وقعتها مصر، بيد أن ذلك دفع (إسرائيل) إلى المزيد من الابتزاز للمجلس وللثورة المصرية، لأنها تصورت أن ذلك يمكن أن يحول السلام البارد الهش مع مصر إلى علاقات ساخنة، متجاهلة بذلك موقف المجتمع المصري منها ككيان عنصري غاصب.

ولعل ما حدث الأسبوع الماضي من تحولات، يؤكد لـ(إسرائيل) أن عليها أن تغير من سياستها بصورة جذرية، وأن تعترف بالحقوق العربية أولاً، حتى تبحث عن شكل آخر من العلاقات مع مصر ما بعد الثورة.

صحيفة البيان الإماراتية

 

البث المباشر