قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: هل تراجعت (إسرائيل)؟

خالد السرجاني     
أبدت (إسرائيل) أسفها لمقتل عدة جنود مصريين، على الحدود المشتركة بين البلدين. ولم تعتذر صراحة حسبما طلب الشعب المصري. كما انه الحكومة (الإسرائيلية) وافقت على زيادة طفيفة في عدد الجنود المصريين في سيناء.
وهذه الخطوات وان كانت طفيفة إلا أنها تكشف عن سياسة مختلفة ل(إسرائيل) تجاه مصر. فبعدما كانت تتصرف بصلف وغرور وغطرسة أصبحت تحاول أن تبدي تراجعات عن مواقفها وسياستها وهو أمر لم تتعوده من قبل.
فهل عدلت (إسرائيل) من سياستها، وهل تسعى للتكيف مع تطورات مرحلة ما بعد الثورات العربية. أم أن ما نشهده الآن ما هو إلا تراجع تكتيكي حتى يتاح لها الفرصة للعودة مرة أخرى إلى سياستها العدوانية تجاه الدول العربية وفي مقدمتها مصر؟
الحقيقة أن (إسرائيل) تأكدت مع أكثر من حدث أنها تواجه مأزقا في علاقاتها مع مصر منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك الذي كانت تعتبره بمثابة كنز استراتيجي لها. وهي تأكدت من حجم العداء الشعبي لها. وكان عليها أن تراجع سياستها تجاه الدول العربية مجتمعة وموقفها من عملية السلام.
ويبدو أن ذلك يتم بالفعل لكنها لم تتوصل إلى الصيغة الجديدة التي سوف تحكم العلاقات في المرحلة المقبلة. وبالتالي فان الموقف الذي اتخذته بعد أحداث الحدود المصرية (الإسرائيلية) الذي لم يرض المصريين وفي نفس الوقت يمثل تغييراً في السياسة (الإسرائيلية) يؤكد أنها على استعداد لإبداء تراجعات وتنازلات من اجل الحفاظ على علاقاتها مع مصر وهو الأمر الذي لابد أن تنتبه إليه مصر وتستثمره على صعيد وساطتها بين (إسرائيل) والجانب الفلسطيني.
و(إسرائيل) لم تعتذر للجانب المصري لأنها تدرك أن اعتذارها سوف يحدث تأثيرات سلبية بالنسبة لها، ليس فقط على صعيد ما يمكن أن يشهده الائتلاف الحكومي الهش من أزمات قد تصل إلى انشقاقات في داخله، ولكن لأن الحدث الذي أعاد الرأي العام المصري إلى التأثير على السياستين الإقليمية والخارجية المصرية يمكن أن يفتح الباب أمام ضغوط شعبية أخرى تطالب الحكومة المصرية بالضغط على (إسرائيل) من أجل مكاسب أخرى منها إعادة النظر في بعض البنود الأخرى في اتفاقية كامب ديفيد.
الأمر الآخر أن (إسرائيل) ترى أن نجاح الضغوط الشعبية المصرية، يمكن أن يأتي بثمار أخرى على الصعيد العربي حيث يحدث ذلك زخما لدى الشعوب العربية الأخرى بما يعيد الرأي العام العربي إلى ساحة الصراع العربي (الإسرائيلي). ويصبح بالتالي له دور فاعل في إجبار الحكومات على اتباع سياسات معينة تجاه القضايا الدولية والإقليمية.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن (إسرائيل) فقدت علاقاتها المميزة مع تركيا بسبب هذا العامل، وهي يمكن أن تعود مرة أخرى كدولة إقليمية منبوذة من جراء عودة الرأي العام كقوة فاعلة في تحديد السياسيات التي تطبقها الدول العربية إزاء (إسرائيل).
وبالتالي فإن على (إسرائيل) أن تراجع سياستها تجاه الدول العربية، لأن نجاح الثورات العربية سيعيد ترتيب الأولويات لدى الدول العربية من جهة، وسيؤدي أيضاً إلى أن (إسرائيل) التي كانت تعتمد على علاقات، سواء علنية أم سرية مع أنظمة ديكتاتورية استبدادية قمعية، وعلى ضغوط أميركية على هذه الأنظمة التابعة للولايات المتحدة الأميركية من أجل اتخاذ إجراءات بناء ثقة تجاه (إسرائيل) من دون مقابل من الجهة الأخرى، وفي المرحلة الجديدة لن يكون ذلك متاحاً لـ(إسرائيل) التي عليها أن تضع حساباً للشعوب.
بل إن حكام الدول التي لم تشهد تغييرات في أنظمة الحكم، سيغيرون هم الآخرون من سياساتهم تجاه (إسرائيل) من اجل إرضاء شعوبهم من جهة، ولأنهم اكتشفوا أن العلاقات القوية مع (إسرائيل) لم تحمِ الزعماء الآخرين كما كانوا يتصورون.
بالطبع فان الغطرسة (الإسرائيلية) التقليدية ومكابرة حكومة اليمين الحالية سوف تمنعها من الاعتراف بالمأزق الذي تعيشه السياسية (الإسرائيلية) حالياً، وسوف يمنعها من الاعتذار، وإن كان الأسف في حد ذاته يمثل تراجعاً عن هذه السياسة، إلا أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى توتر في المنطقة حاليا، وهو أمر لا نعتقد أن القوى الدولية التي تقف وراء (إسرائيل) يمكن أن تتحمله وبالتالي فهي ستفرض عليها التهدئة والتراجع في الوقت الراهن.
فضلا عن ذلك فإن التهدئة والتراجع سوف تفتح الباب أما مزايدات داخلية في (إسرائيل)، خاصة وان العد التنازلي لانتخاباتها البرلمانية قد بدا ويبدو أن الليكود الذي يمثله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه أزمة أمام حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني، ونعتقد أن الموقف من العالم العربي في أعقاب الثورات سوف يلعب دورا مهما في إعادة رسم الخريطة السياسية الداخلية في (إسرائيل)، وبناء على عملية إعادة الرسم هذه ستتحدد سياسة (إسرائيل) تجاه العالم العربي في المستقبل القريب.
إن الثورات العربية التي نجحت في الوطن العربي، أو تلك التي في سبيلها إلى النجاح، لم تغير فقط من طبيعة الدولة العربية أو بنيتها الاجتماعية أو التحالفات الطبقية الحاكمة، وإنما هي تقوم حاليا بإعادة صياغة النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وهي مرحلة سوف يتم فيها إعادة بناء التحالفات الإقليمية الجديدة وبناء عليها ستكون لدينا موازين قوى جديدة، نحن الآن في مرحلة تشكلها.
صحيفة البيان الإماراتية

البث المباشر