المهندس كنعان عبيد
يَنحى كثيرٌ من المحللين السياسيين للتفسير الميكانيكي للأحداث والمواقف السياسية، وبخاصة فيما يتعلق بـ"الشرق الأوسط" مُنطلقين من حَتميات ثلاثة لعناصر العملية السياسية: حتمية الإرادة الأمريكية غير القابلة للتصدي، وحتمية العلاقة الأمريكية الإسرائيلية غير المُستعِدة للفَكاك، وحتمية ضعف الدول العربية وانعدام إرادة الشعوب.. فلا يكاد المراقب يرى من يَشُط خارج هذا النص وكأن سير الأحداث لا يخرج قيد أُنملة خارج سُنَن إرادة الإدارة الأمريكية مُعتمدين على تاريخ وتأريخ لأحداث جسام حاول فيها المُحللون لَيّ أعناق التأريخ لتكون عندهم الأحداث العالمية صناعة أميركية بامتياز.. حتى وصل الشطط ليكون زلزال "هايتي" وفيضانات باكستان وتسونامي شرق آسيا صناعة أميركية، أو كأن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية سُنة من سُنن الكون وكأنهما مكون واحد لكيان أبدي لا يَنفك حتى يَرِثَ الله الأرض ومن عليها، ووصل عندهم اليأس من الشعوب العربية كاليأس من أصحاب القُبور.
مظنَّات الحتميات الثلاث جعلت إرادة التغيير تنتظر أن يأتي زلزال يُدمر أميركا أو أن يخرج فينا صلاح الدين من قبره أو يبعث الله المهدي -عليه السلام- بين يدي قضايا كنا نعتبرها من علامات الساعة.. لكنَّه التغيير جعله الله -تعالى- رُوحا جديدة في إرادة الشعوب إذا أرادت الحياة، فخرجت من بين ركام نفسها وصعدت أعلى درجات الإرادات لتقول أنا أريد تغيير النظام، ووجدت نفسها فوق إرادة أميركا المضطرة لأن تنافق الشعوب وتقول أنا مع تغيير النظام رغم نفاقها مع مجنون ليبيا لإخراجه من زلزال إرادة الشعب.
لعلها ثقافة جديدة ملأت عقول الشعوب العربية وقلوبهم وتنتظرها ثقافة "الشعب يريد إزالة (إسرائيل)"، ولعل (إسرائيل) الغائب الحاضر في جميع الثورات.. وفهمت أنها خسرت رهانها على حتمية الإرادة الأمريكية وحتمية انعدام إرادة الشعوب.. حتميات عاشتها (إسرائيل) مطمئنة لأكثر من ستين خريفا.
ولا يخفى ما بدأ به كثير من الكُتاب والساسة ومراكز الأبحاث من تنبيه الإدارة الأمريكية بتقليل العشق مع (إسرائيل)، منذرين بخسارة تنالها أميركا من هذه العلاقة، وقد فهمت (إسرائيل) نغمة المصالح الأمريكية العليا في علاقتها مع أميركا فبدأت تناغمها خوفا من كبوة أو جفوة.
وينتظر المفكرون والمثقفون من قادة العمل الإسلامي عبء صياغة فكر ربيع الثورات لتصبح جزءا أصيلا من الشخصية العربية غير القابلة للتشكيل من سارقي الثورات أو متَصيِّدي الفُرص، وينتظرهم بشوق فكر "من ليس مَعنا فهو ضدنا" لتعرف أميركا أنها في دائرة العداء والاستعداء مع المسلمين إذا بقيت على تحالفها ودعمها لـ(إسرائيل)، وأنها لن تجني إلا خسارة، وعندها سيضطر السياسيون الأمريكيون لوضع علاقتهم مع (إسرائيل) على فكر الجدوى الاقتصادية لتجد نفسها مضطرة لتعلن أن (إسرائيل) كيان مُخسِّر.