قائمة الموقع

مقال: (إسرائيل).. إلى الوراء

2011-09-12T11:10:01+03:00


مؤمن بسيسو

(إسرائيل) تعود القهقرى وتنكفئ إستراتيجيا إلى الخلف وتعيش نوعا من عزلة الماضي.. هذه أبرز خلاصة يمكن بلوغها عقب موجة الاستهداف المركز للسياسة الإسرائيلية العنصرية التي انطلقت من تركيا وصولا إلى قاهرة المعز التي شهدت أحداث اقتحام السفارة الإسرائيلية فجر السبت الماضي.

لأول مرة منذ عقود تشعر (إسرائيل) بطعم العزلة السياسية؛ فتركيا التي تشكل القوة الإقليمية الأهم إسرائيليا انقلبت تماما على واقع التعاون، والانفتاح الذي وَسَم العلاقات البينية بين الطرفين طوال الأعوام الماضية.. فيما أسقطت الجماهير المصرية الغاضبة ورقة (إسرائيل) عمليا من الرقعة المصرية التي شكل نظامها السياسي دهرا معْقد حلفها الإستراتيجي، وإن كانت ورقتها ما زالت قائمة سياسيا بحكم المعاهدات السياسية المفروضة.

يقولون إن الألم الناجم عن ضربتين في الرأس لا يحتمل، وهكذا حال (إسرائيل) التي تلقت ضربتين قاسيتين خلال أيام تركتاها في حال من الترنّح والاضطراب السياسي والدبلوماسي لا تخفى على أحد.

في تركيا تسير الأمور نحو القطيعة الكاملة -رسميا وشعبيا- مع (إسرائيل) التي تعلن جهارا رفضها الاعتذار والتعويض لقاء جريمتها بحق سفينة "مرمرة"، وفي مصر أجبرت القوة الشعبية العارمة الدبلوماسية المهترئة على الانزواء، وألقت بالسفير الإسرائيلي إلى ما وراء الحدود، وفرضت معادلة شعبية جديدة على النظام المصري المؤقت الحالي الذي يعيش بعقلية النظام السابق وآلياته، ورسمت ملامح أولية لمآلات العلاقة (المصرية-الإسرائيلية) وانحدارها المتواصل خلال المرحلة المقبلة.

لا نخشى على الموقف التركي؛ فالدولة التركية موحدة -نظاما وشعبا- في وجه (إسرائيل) وسياستها العنصرية وممارساتها العدوانية، ولكن الخشية أوضح ما تكون في موقف المجلس العسكري الحاكم لمصر الذي يستنسخ سياسات نظام مبارك البائد، ويحاول معاندة الإرادة الشعبية التي تأبى الرضوخ لعجرفة الاحتلال والتعايش مع منطق استمرار العلاقات السياسية والدبلوماسية معه إلى الأبد؛ تساوقا مع حسابات سياسية غير مفهومة في عهد الثورة والتغيير.

يحاول المجلس العسكري المصري فرض إرادته وحساباته على الواقع المصري حاليا لكنه يواجه قوة الإرادة الشعبية التي أطاحت ثورتها البيضاء بأكبر رموز التعفن والاستبداد السياسي في المنطقة العربية، ولن يمضيَ وقت طويل حتى تسقط سياسته الراهنة لمصلحة الموقف الشعبي الذي ينطلق من أصالة الأمة وكرامتها ومبادئها العليا.

الموقف التركي بلغ اليوم حدّ طرد السفير وتخفيض العلاقات الدبلوماسية إلى حدها الأدنى وتعليق الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، ومن المتوقع أن يتطور إلى أبعد من ذلك ما لم ترعوِ (إسرائيل) وترضخ أمام الصلابة التركية، وهو أمر دونه العجرفة المعهودة والاستكبار التقليدي الذي يدمغ عقلية الاحتلال وسلوكياته.

رهاننا اليوم على الموقف الشعبي المصري الذي أسقط العلم الإسرائيلي عن مقر السفارة الإسرائيلية، واضطر السفير للهرب والمغادرة متخفيا، وأدخل المجلس العسكري الحاكم في إطار بحث ومواجهة لمرحلة جديدة مختلفة تماما عن سابقتها، فالجهد الشعبي لن يكون مثمرا ما لم يجترح التواصل والاستمرار ويمتهن التخطيط والإعداد والتنظيم في إطار تغيير الواقع السياسي العفن الذي يحكم العلاقة (المصرية–الإسرائيلية) حتى اليوم.

نعوّل على إنجازات تراكمية على المستويين: التركي والمصري؛ فكل جهد ضاغط على الاحتلال يرفع من أسهم شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية والإسلامية، ويخفض من علوّ الاحتلال وهيمنته، ويعلي من شأن مشروعنا الكبير لتغيير محددات الواقع وأسسه باتجاه صياغة الواقع المنشود الذي تبدو فيه (إسرائيل) نقطة صغيرة معزولة في بحر العرب والمسلمين الهادر؛ تمهيدا لإزالتها تماما عن خريطة الوجود بإذن الله.

على (إسرائيل) أن تتوقع تشكّل جبهة عداء تركي واضح -رسميا وشعبيا- خلال المرحلة المقبلة، ولن يطول الأمر حتى تتحول جبهة العداء المصري من إطارها الشعبي إلى إطارها الرسمي بفعل قوة الإرادة والكرامة المصرية الحرة.

المعركة حول إنهاء العلاقات التركية مع الاحتلال وإسقاط معاهدة كامب ديفيد بدأت الآن، وعلى (إسرائيل) أن تتوقع الأسوأ مع كل صباح يشرق في فضاء الربيع العربي والإسلامي البديع وإشعاعاته الكبرى. 

اخبار ذات صلة