الرياض – وكالات
حذر الأمير تركى الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق وسفير السعودية الأسبق لدى واشنطن – في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية – الولايات المتحدة من تعريض علاقاتها مع حلفائها العرب للخطر إذا صوتت في الأمم المتحدة ضد إقامة الدولة الفلسطينية.
ورأى الفيصل في مقاله الذى نشرته الصحيفة بموقعها الإلكتروني أن استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو ضد حصول الدولة الفلسطينية على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة سوف يقضي على العلاقة الخاصة بين الدولتين «السعودية وأمريكا» ويضر بالولايات المتحدة داخل العالم العربي.
*** فيما يلي نص مقال الأمير تركي الفيصل الذي خص به "نيويورك تايمز" و"القدس"..
يتوجب على الولايات المتحدة أن تدعم المبادرة الفلسطينية من أجل الدولة في الأمم المتحدة، أو أن تخاطر بخسارة المصداقية الضئيلة التي بقيت لها في العالم العربي. وإذا لم تفعل ذلك، فسيتقلص النفوذ الأميركي أكثر، ويتناقص الأمن الإسرائيلي وتتقوى إيران، ما سيزيد فرص وقوع حرب أخرى في المنطقة.
وبالإضافة لهذا، فلن تتمكن السعودية بعد ذلك من التعاون مع الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي قامت بها تاريخيا. ونتيجة للاضطراب السائد في معظم أرجاء العالم العربي، فسيُنظر ’للعلاقة الخاصة’ بين السعودية والولايات المتحدة على أنها سامة من جانب الغالبية العظمى من العرب والمسلمين، الذين يطالبون بالعدالة للشعب الفلسطيني.
وربما سيضطر الزعماء السعوديون بسبب ضغوط محلية وإقليمية لتبني سياسة خارجية أكثر استقلالية وحزما. ومثل دعمنا العسكري مؤخرا للملكية في البحرين، وهو ما عارضته الولايات المتحدة، فربما تتبنى السعودية سياسات أخرى تتعارض مع السياسات الأميركية، بما في ذلك معارضة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورفض فتح سفارة هناك على الرغم من الضغوط الأميركية للقيام بذلك. وربما تتباعد الطرق بين الحكومة السعودية وواشنطن في أفغانستان واليمن أيضا.
الشعب الفلسطيني يستحق دولة وكل ما يستتبع ذلك: الاعتراف الرسمي، ودعم المنظمات الدولية، والقدرة على التعامل مع إسرائيل على قدم المساواة والفرصة للعيش بسلام وأمن.
وعلى إسرائيل أن تنظر للمبادرة الفلسطينية للدولة ليس على أنها تهديد، وإنما كفرصة للعودة إلى طاولة المفاوضات ومنع وقوع نزاع آخر. وتظهر الاستطلاعات الأخيرة أن نسبة تصل ٧٠ في المائة من الفلسطينيين يقولون إنهم يعتقدون أن انتفاضة جديدة ستندلع إذا لم يتم كسر الجمود في وقت قريب، وهذا يجب أن يشجع إسرائيل على السعي لتحقيق السلام مع الزعيم الفلسطيني المعتدل محمود عباس.
وقد توفرت لإدارة أوباما العديد من الفرص لقيادة الإسرائيليين والفلسطينيين نحو محادثات ثنائية، لكن صناع السياسة الأميركية انشغلوا لسوء الحظ بالاقتصاد المحلي المتدهور والمشهد السياسي المشلول أكثر من انشغالهم بالعثور على حل قابل للتطبيق لملحمة الظلم هذه. ولأن واشنطن لم تقدم أي مقترحات جديدة قابلة للحياة، فأقل ما تستطيع القيام به هو التنحي جانبا، وعدم الوقوف في وجه الجهود السعودية والأوروبية والعربية لمساندة الحقوق الفلسطينية في الأمم المتحدة.
وقد اعترف حتى المسؤولون الإسرائيليون مؤخرا على انفراد لنظرائهم الأوروبيين أن السعودية فقط هي التي ستكون قادرة على منح الفلسطينيين الشرعية الدينية والسياسية والمالية التي يحتاجونها لإنجاز اتفاق مع إسرائيل. وقدمت السعودية 2.5 مليار دولار للسلطة الفلسطينية منذ حزيران ٢٠٠٩، ما يجعلها أكبر داعم منفرد للقضية الفلسطينية. لكن هذه الأموال لن يكون لها كبير فائدة ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم الأساسية.
ويجب أن تكون المبادرة العربية لعام ٢٠٠٢ نقطة البداية للمفاوضات، وحل الدولتين المستند إلى حدود ١٩٦٧ هو الأساس الواقعي الوحيد لاستئناف المفاوضات، نظرا للكيفية التي أثبتت فيها عملية سلام أوسلو أنها عقيمة.
ومبادرة الدولة الفلسطينية هي فرصة للحلول مكان أوسلو، مع آلية ترتكز على مفاوضات دولة مع دولة- وهو طرح رابح للجانبين يجعل النزاع أكثر قابلية للإدارة، ويضع الأساس لحل دائم.
والخاسران الوحيدان في هذا السيناريو قد يكونان سوريا وإيران، وهما دولتان منبوذتان عملتا دون كلل -من خلال دعمهما لحماس وحزب الله- على نسف عملية السلام. وقد لعبت السعودية مؤخرا دورا قياديا في عزل الحكومة الوحشية للرئيس السوري بشار الأسد، من خلال المطالبة بإنهاء قتل المحتجين واستدعاء السفير السعودي من دمشق. والسقوط المتوقع لنظام الأسد البربري يوفر فرصة إستراتيجية نادرة لإضعاف إيران. ودون هذا الحليف الحيوي ستجد طهران من الأصعب عليها أن تعزز الخلافات في العالم العربي.
وهناك فرصة اليوم للولايات المتحدة والسعودية لاحتواء إيران، ومنعها من زعزعة الاستقرار في المنطقة. لكن هذه الفرصة ستتلاشى إذا أدت أفعال إدارة أوباما في الأمم المتحدة إلى انقسام قسري بين دولتينا.
ومع أن السعودية راغبة وقادرة على رسم مسار جديد ومختلف إذا فشلت الولايات المتحدة في التصرف بشكل عادل تجاه فلسطين، فإن الشرق الأوسط ستتحسن أحواله بشكل أفضل بكثير، من خلال استمرار التعاون والنوايا الطيبة بين هذين الحليفين منذ وقت طويل.
ومن هنا فالدعم الأميركي للدولة الفلسطينية هو أمر أساسي، وسيكون لاستخدام الفيتو عواقب سلبية شاملة. ففضلا عن تسببه في أضرار جسيمة للعلاقات الأميركية- السعودية، وإثارته الغضب في أوساط المسلمين في أرجاء العالم، فسوف تُلحق الولايات المتحدة الضرر أكثر فأكثر بعلاقاتها مع العالم الإسلامي، وتعزز الموقف الإيراني وتهدد الاستقرار الإقليمي. دعونا نأمل بأن تختار الولايات المتحدة طريق العدل والسلام.
*** الأمير تركي الفيصل هو مدير سابق لجهاز الاستخبارات السعودي، وسفير سابق للسعودية في الولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب مدير مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية.