الرسالة نت - لمراسلنا الخاص
ثمة تكتيك عالي المستوى تعتمده المقاومة الفلسطينية في اختطاف الجنود (الإسرائيليين) والاحتفاظ بهم لأطول مدة ممكنة من اجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
وتعد استراتيجية خطف الجنود قديمة-حديثة، بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في يوليو/ تموز عام 1968 واختتمتها كتائب القسام في العام 2006، ولاتزال تلك الاستراتيجية مدرجة على أجندة المقاومة.
وتتحفظ المقاومة الفلسطينية على الاساليب المتبعة في تنفيذ عمليات الاختطاف بحق الجنود (الإسرائيليين) ممن يتمركزون على الحدود، لكنها تعتمد التكتم والسرية كأساس لنجاح عمليات الأسر.
تَعلم المقاومة جيداً أن سر نجاح عمليات الاختطاف يعتمد اعتماداً كلياً على نوعية الاشخاص الملقى على عاتقهم مسؤولية تنفيذ المهمة والاحتفاظ بالأسرى.
داخل ثكنة
وفي واحدة من ابرز عمليات الاختطاف، خططت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" بالتعاون مع عناصر من حركة فتح، لاختطاف جنود صهاينة كانوا متواجدون داخل ثكنة عسكرية على الحدود الفلسطينية- اللبنانية في سبتمبر 1982، واقتسموا المختطفين، اثنين احتفظت بهم القيادة العامة، وستة أخرين احتفظت بهم "فتح".
وقال القيادي في الجبهة الشعبية- القيادة العامة د. عادل الحكيم، إن عملية الاختطاف كان قد خطط لها بعناية من قبل مجموعتين منفصلتين من الجبهة، وفتح، ولكن المجموعة التابعة لحركة فتح نفذت العملية منفردة قبل الموعد المتفق عليه.
وأوضح الحكيم أن الجبهة فوجئت بإتمام عملية الاختطاف منفردة، مبينا أنه جرى اقتسام الجنود (الإسرائيليين) المختطفين عقب تنفيذ العملية.
ويبدو ان مهمة الاحتفاظ بالجنود الاسرى ليست أقل صعوبة وتعقيدا من مهمة تنفيذ الاختطاف وبخاصة أن جهاز الموساد (الإسرائيلي) كان بالإمكان ان يجري عمليات انزال من اجل انقاذ جنوده إذا ما علم بمكان احتجازهم، وفق ما قاله الحكيم.
ويحكي الحكيم عن طريقة احتجاز المختطفين (الإسرائيليين) في حينه، قائلا: "قامت مجموعة من عناصر الجبهة الشعبية- القيادة العامة -باحتجاز الجنديين في موقع عسكري تابع لها داخل لبنان".
واشار إلى أنه لم يكن بإمكان المخابرات (الإسرائيلية) معرفة مكان الجنود نظراً للسرية التامة التي اتبعها القائمون على الاحتفاظ بالأسرى.
وأكد الحكيم وهو طبيب وكان مكلفاً بمتابعة الجنديين من الناحية الصحية، أن الاسيرين كانا قد تعرضا لتحقيق روتيني يخلو من الاهانة او التعذيب من قبل المحققين الفلسطينيين، "وليس كما يعامل الاسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال" كما قال.
وأضاف "كان أحدهم كلما تذكر معلومة معينة في أي وقت؛ يدلي بها للآسرين دون ان يمس بأي أذى"، مبينا مجموعة مكونة من نحو خمسة اشخاص كانت تقوم على متابعتهم وحراستهم.
وما ساعد على الاحتفاظ بالأسرى لثلاث سنوات متتالية هو انتقاء الاشخاص القائمين على رعاية الأسيرين بعناية، حيث يؤكد الحكيم ان هوية هؤلاء الاشخاص كانت مجهولة وكانوا يتلقون تعليماتهم آنذاك من قبل الامين العام للجبهة أحمد جبريل، ومسؤول الجهاز العسكري فقط.
وبين انه كانت هناك تعليمات صارمة من قبل "جبريل" بضرورة تقديم المأكل المتوافق مع عادات الآسيرين الغذائية والحفاظ على صحتهم بصورة تامة والحرص على عم المساس بهم، انطلاقاً من التعليمات الاسلامية الرفيعة.
أسرين مأسورين
ويمكن اعتبار القائمين على حماية الاسرى (الإسرائيليين)، هم اسرى ايضاً، لأنهم -وبحسب الحكيم- لم يغادروا موقع الاحتفاظ بالجنود طيلة فترة الاسر.
ورغم مكانة ودور الحكيم في متابعة الاسيرين، إلى أنه لم يكن يعلم بأن جبهته كانت تحتفظ بأسير ثالث اختطفته قبل وقت العملية التي نفذت في سبتمبر 1982.
وقال: "كان هناك سرية وتكتم شديد لدرجة أننا فوجئنا عند اتمام عملية مبادلة الاسرى بأننا نحتفظ بأسير ثالث(..) وهذا يدل على الحس الامني الكبير الذي تمتعت به الجبهة".
وتمت صفقة تبادل الاسرى بين القيادة العامة وحكومة الاحتلال في 20 أيار من عام 1985، بعد صولات وجولات من المماطلة الصهيونية، وافرج على اثرها عن نحو 1150 اسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية، مقابل ثلاثة جنود (إسرائيليين).
ويتوقع الحكيم ان تكون كتائب القسام الاسرة للجندي (الإسرائيلي) (جلعاد شاليط) منذ حزيران 2006 في عملية اطلقت عليها "الوهم المتبدد"، قد اتبعت ذات التكتيك في الحفاظ على الجندي الاسير.
ويخوض جهاز الموساد (الإسرائيلي) صراعاً ضارياً من اجل الحصول على معلومات من شأنها تحديد موقع "شاليط"، لاسيما أن ما يسمى بقوات "الكوماندوز (الإسرائيلي) اختطفت عناصر من حماس زعمت انهم ضالعين في اختطاف الجندي.
وتشترط كتائب القسام الافراج عن 1400 اسير فلسطيني من سجون الاحتلال من اصحاب الأحكام العالية بالإضافة للإفراج عن النساء والاطفال، مقابل الافراج عن "شاليط".
وفي اكثر من محفل اكدت قيادة حركة حماس وجناحها العسكري انها متمسكة بشروطها، وأن الافراج عن "شاليط" يتطلب ان من الاحتلال دفع الثمن.
ويدعم الحكيم اصرار حماس على الاستجابة لمطالبها، قائلا :"إن اصرار وتمسك المقاومة هو السبيل الأنجع لإبرام صفقات تبادل مشرفة".
في الوقت نفسه بين أن تمسك جبهته بشروطها اثناء محادثات صفقة التبادل 1985 التي تمت عبر الصليب الأحمر ووسيط نمساوي، أجبر الاحتلال على التنازل والافراج عن الاسرى الفلسطينيين مقابل اطلاق سراح جنوده المختطفين لدى الجبهة.
لهذا دعا الحكيم، المقاومة الفلسطينية للإبقاء على شروطها وعدم التخلي عنها من اجل الافراج عن الاسرى الفلسطينيين، كما دعا للحفاظ على السرية والتكتم التام بعيدا عن الاعلام في اية مباحثات تتعلق بصفة التبادل.
ورصدت تقارير اتمام اكثر من ثلاثيين صفقة تبادل اسرى بين الفلسطينيين والاحتلال (الإسرائيلي)، منذ العام 1948، في مجملها كان الاحتلال ينصاع لرغبات المقاومة.