قائد الطوفان قائد الطوفان

جرائم القتل.. ماذا عن القصاص يا أولي الألباب؟

الرسالة نت  – فادي الحسني 

يعكس استمرار جريمة القتل في قطاع غزة تأصل ثقافة العنف في نفوس البعض ممن لا يحسنون التسامح او تحكيم العقل وخصوصا في المشاجرات العائلية.

وفي مشهد أقل ما يوصف بـ"المأساوي" ارتقى ثلاثة من عائلة واحدة في غزة في السادس عشر من الشهر الحالي واصيب ثلاثة اخرون، اثر شجار عائلي استخدم فيه السلاح رغم أن الروايات أجمعت على ان الشجار دار على خلفية "بسيطة".

وعلى الرغم من حرمة الدم في الاسلام لكن ثمة من يقدم على ارتكاب جرائم قتل بدافع النزعة العصبية أو غيرها، ويرجح مختصون ان تكون أسباب اجتماعية واقتصادية خلفها.

وبينما نفت الجهات الرسمية وجود قصور أمني أو قضائي أدى لانتشار هذه الجرائم، تظل القاعدة الشرعية (ولكم في القصاص حياة) هي لسان حال ذوي الضحايا.

كبح جماح

وانقضت مظاهر التسلح العشوائي في قطاع غزة منذ اكثر من ثلاثة اعوام، فيما لم تزل بعد الآثار السلبية حاضرة لاسيما أن تسعة حالات قتل سجلت خلال الشهرين الاخيرين.الحالات التسعة التي رصدتها جهات حقوقية خلال شهري آب/ وسبتمبر الحالي، جاءت نتيجة شجارات عائلية وخلافات وقتل خطأ، فيما سجلت عشرات الاصابات نتيجة ما اسمته "سوء وفوضى استخدام السلاح والانفجارات الداخلية".

واضحت جريمة القتل مثار حديث المواطنين في قطاع غزة ولاقت استنكارا واستهجانا شديدين، لكن الجهات الامنية في غزة نفت ان يكون بإمكانها كبح جماح هذه الجرائم، "لأنها عشوائية لا دلالات لها".

وقال الرائد أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية إن معدل جريمة القتل في غزة لم يختلف عن العام الماضي، إلا بفارق حالة واحدة، مسجلاً 12 حالة قتل منذ بداية العام الى الآن.

وأرجع البطنيجي شعور المواطنين بزيادة حجم جريمة القتل في القطاع مؤخرا، لتكثيف الجرائم خلال الشهرين الاخيرين، معتبرا أن نسبة الجريمة في قطاع غزة تمثل 1-3 بالنسبة للضفة الغربية.

وصنف جرائم القتل في غزة على أنها "عشوائية" مرجعاً اسبابها الى مشاكل( نفسية، أخلاقية) لا علاقة لها بالجريمة المنظمة او المخطط لها.

ونفى البطنيجي تراجع دور الشرطة، قائلاً: "جهاز الشرطة غير متكاسل فهو جدي ونشيط وفي كثير من الاحيان منع جرائم قتل، وفي احدى الجرائم تم القاء القبض على الجاني بعد خمس ساعات من وقوع الجريمة".

واشار المتحدث باسم الشرطة الى أن آلات القتل المستخدمة "مطارق حديدية"، فيما ان بعض السلاح المستخدم كان (سلاحاً تنظيمياً) وجرت مصادرته على الفور.

ومن خلال التحقيقات التي اجرتها الشرطة مع الجناة تبين أن بعضهم "غير ملتزم دينياً ولديه مشاكل اخلاقية(..) البعض تسرع في استخدام السلاح وهو أمر يدل على التهاون"، وفق البطنيجي.

واعتبر البطنيجي أن الحد من انتشار جرائم القتل العمد في غزة يتطلب تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة بحق الجناة.

 وتنتظر من 10-14 قضية قتل استكمال اجراءاتها القضائية، فضلا عن أن المتهمين في جرائم القتل خلال العام الماضي لازالوا ينتظرون البت في قضاياهم.

قضايا تنتظر الحكم

بدوره شدد النائب العام محمد عابد على تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة بحق الجناة، لكنه اكد ان هناك عددا من قضايا الاعدام امام محكمة الجنايات وهيئة البداية وانتقلت لمحكمة الاستئناف ومن ثم تنتظر صدور الحكم الاخير من قبل محكمة النقض.

وقال النائب عابد: العائق امام تنفيذ احكام الاعدام ان القضايا لم تستوف بعد وضعها القانوني من محكمة النقض، وفي حال صدور الحكم سيحال لجهات الاختصاص للتنفيذ.

وهنا يذهب نائب رئيس رابطة علماء فلسطين، النائب في المجلس التشريعي د. سالم سلامة إلى ما ذهب اليه النائب العام في تأكيده على أن القضاء سيقوم بما انيط به من عمل، معتبرا ان جريمة القتل شاذة عن المجتمع الفلسطيني وان المجرم يتبرأ منه ذووه ولن يتسنى له الهروب من العقاب وسيقام عليه الحد.

وأوضح د. سلامة أن جرائم القتل طارئة وغير ثابتة في المجتمع، لكنه نصح بعدم التواني في اقامة الحد على المجرمين.

وقال: "التأخير في اقامة الحد قد يكون سببا في اغراء المجرمين لارتكاب جرائم لكن الاجراءات القضائية الان افضل بكثير من السابق وستقوم بالدور المناط بها"، مشدداً على ان المجرم يجب ان يأخذ عقوبته.

ورغم تأكيد النائب العام على اهمية تطبيق احكام القانون في الحد من انتشار الجريمة، لكنه قال: الامر لا يستدعي التعجل في اصدار الاحكام(..) يجب ان نستوفي الأمور القانونية، لأن الخطأ في العفو افضل من الخطأ في الاعدام.

واعتبر عابد انه لا اجتهاد في مورد نص قانوني قائم، مطالبا بتنفيذ الاحكام القضائية.

وينص عدد من مواد القانون الفلسطيني وخاصة مادتي (214-215) من قانون العقوبات على أن كل من ادين بارتكاب جريمة قتل عمد تقع عليه عقوبة الاعدام.

القتل محرم

وتتطابق القوانين الوضعية مع السماوية في التشديد على ان القاتل يقتل، حيث يؤكد أستاذ الفقه المقارن في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي، أن "القتل في الإسلام عموما محرم وجريمة وضع لها أشد العقوبات؛ لأنها كفيلة بزعزعة أركان المجتمع، وقد تعامل معها بطريقةٍ شاملة وحاسمة".

وقال السوسي: "تعتبر الشريعة والقانون القتل جريمة كبرى, لأنها لا تؤثر فقط على المقتول وأهله,  بل تؤثر على المجتمع ككل بلا استثناء وتعمل على زعزعة  الأمن الاجتماعي, ونشر الخوف والقلق في النفوس".

ولان المجتمع الفلسطيني يحتكم الى العادات والتقاليد، فإن جهود أهل الحل والعقد بين الناس، تتظافر من اجل انهاء الخلافات العائلية حتى في "قضايا الدم".

وتعد رابطة علماء فلسطين واحدة من الجهات التي تعمل على رأب الصدع بين الاسر الغزية، ويوضح نائب رئيسها النائب سلامة أن تدخلهم لا يأتي من باب الشفاعة للمجرم، مؤكدا حرصهم على ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية).

وقال سلامة: "اذا كان الايذاء بليغا فإن المجرم يجب الا يفرج عنه قبل نيل العقوبة، وأن يسجن حتى جزاءه".

ويضع مستشار رئيس الوزراء اسماعيل هنية، لشؤون العشائر ابو ناصر الكجك، يده على واحدة من الاسباب التي تسوق إلى ارتكاب جرائم القتل، وهي "ميل النفس الفلسطينية الى العنف"، حيث يؤكد أن تركيبة المجتمع الفلسطيني كمجتمع يقع تحت نير الاحتلال تختلف عن غيرها من المجتمعات، فهي تميل الى العنف بحكم الواقع المرير الذي تحياه ومقارعة الاحتلال الصهيوني.

وقال الكجك: "صحيح ان الابناء تربوا على العنف لكن هذا لا يلغي صفة التسامح الموجودة لدى الناس"، مبينا في الوقت ذاته ان بعض قضايا القتل التي حدثت في القطاع جاءت على خلفيات اخلاقية وليست في اطار سوء استخدام السلاح.

بيد أن السوسي أرجع دوافع جريمة القتل إلى "قلة الوازع الديني في نفوس الناس والجهل بالحكم الشرعي لهذه الجريمة, بالإضافة إلى سوء التربية الاجتماعية".

وساق السوسي طرقا لعلاج المشكلة، قائلا: "من أساليب التقليل من جريمة القتل، تقويم سلوك المجتمع وتربية الأفراد بطريقة سوية من اجل التغلب على أي انحراف".

أسباب لا نتائج

من ناحيته شدد مدير مركز الميزان لحقوق الانسان د. عصام يونس على ضرورة ان تنصب المساعي نحو معالجة اسباب الجريمة لا نتائجها.

وحصر يونس الاسباب الرئيسية وراء جريمة القتل في القطاع، قائلا: "الجريمة لها ابعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية(..) صحيح ان سرعة التقاضي والمعالجات الامنية مهمة ولكن المشكلة الأساسية اجتماعية ويجب دراستها بعمق حتى تكبح جماح هذه الجريمة".

وبينت إحصاءات غير رسمية أن نسبة الجريمة تراجعت عموما في قطاع غزة مقارنة بالأعوام السابقة، حيث وصلت إلى 19536 جريمة لعام 2009, من إجمالي الجرائم العامة في المجتمع, اما في عام 2010 فتراجعت الى 14520 جريمة.

وتوضح المصادر أن شهر أغسطس لعام 2009 سجل أكبر عدد حالات وفاة بسبب القتل، بينما قتل 19 مواطنا عام 2008 على خلفيات عائلية، لينخفض العدد خلال عام 2010 إلى خمس حالات فقط.

يذكر أن مجلس الوزراء الفلسطيني كلف في اجتماعه الاسبوعي الثلاثاء الماضي، وزير العدل بتفعيل محكمة الجنايات الكبرى، وذلك بعد عمليات القتل الجنائية التي وقعت في قطاع غزة مؤخراً بين عدد من العائلات، مع التأكيد على إنفاذ القانون.

ومع ان الآراء تقاطعت حول انخفاض نسبة الجريمة عن معدلها في الاعوام السابقة بقطاع غزة، إلا ان جرائم القتل تحتاج لعلاج رادع لوقفها وعلاج مسبباتها.

البث المباشر