قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أي مستقبل للشراكة الإستراتيجية بين أمريكا و(إسرائيل)؟

د. عدنان أبو عامر

تتجلى أمام واشنطن و(تل أبيب) مهمة تحدي التأقلم مع التغييرات الديموغرافية والاجتماعية والسياسية العميقة التي تعيد تشكيل التعاون المشترك، بدءا بأثر "الربيع العربي" على كينونة "(إسرائيل)" وخطط أمريكا في المنطقة وصولا إلى تبدّل الرأي العام الداخلي في كل من البلدين في قراءة العلاقة الثنائية بين الإدارتين (العلاقة العسكرية تحديدا)، وذلك على اعتبار ان (إسرائيل) اليوم ليست كما كانت عليه قبل 20 عاما، وان الدعم الأمريكي العسكري والمادي للإسرائيليين قابل للتعديل وربما التحجيم، مع تحويل (إسرائيل) من دولة تتكئ كاملا على الكتف الأمريكي إلى دولة «شريكة" تخطت زمن الضعف والاضطهاد.

ترى الإدارتان الأمريكية و(الإسرائيلية) اليوم ان الخيارات السياسية لكل طرف منهما تقوّض مصالح الآخر، إذ يظهر ذلك من جهة في تشكيك الأمريكيين بقيمة (إسرائيل) الإستراتيجية، وفي المخاوف (الإسرائيلية) المتنامية من مدى التزام واشنطن بأمن (إسرائيل) من جهة أخرى.

مع العلم أنه أثناء قيام اكبر مناورات عسكرية أمريكية (إسرائيلية) امتدت لثلاثة اسابيع، كان الرئيس الأمريكي باراك اوباما يستقبل في البيت الابيض رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو في زيارة غابت عنها اضواء الكاميرات، واتسمت بالغموض والتعتيم. بعد أشهر قليلة، ازداد منسوب التوتر بين الجانبين ليتّضح ان الدخان الأسود رافق نقاش اوباما – نتنياهو.

وقد ازداد نزاع الرئيسين "تحت الطاولة" زخماً في آذار 2010، يوم اعلنت (إسرائيل) عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ل(تل أبيب). غضب بايدن والإدارة الأمريكية، تُرجم بعد ايام قليلة في كلام لقائد القوات الدولية في أفغانستان آنذاك ديفيد بتراوس الذي قال صراحة ان «النزاع الفلسطيني ـ (الإسرائيلي) يذكي الشعور المعادي لأمريكا.. فالغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحجّم علاقة واشنطن بالأنظمة العربية المعتدلة ويضعف شرعية الأخيرة في العالم العربي».

في ربيع العام 2010، واجه التعاون الثنائي أسوأ أزمة دبلوماسية منذ 20 عاما، وذلك عندما انهالت الانتقادات للعلاقة الأمريكية ـ (الإسرائيلية) على رؤوس أصحابها من قبل أمريكيين لطالما اعتبروا من المتعاطفين مع (إسرائيل) وقضيتها والداعمين الأوفياء للتعاون المشترك. واعتبرت هذه الفئة الأمريكية ان رفض (إسرائيل) المتابعة في السعي لاتفاق مع الفلسطينيين، يقوّض القدرة الأمريكية على إدارة مروحة واسعة من المهمات السياسية والعسكرية المعقدة في الشرق الأوسط ومن ضمنها ملف إيران النووي.

سعى «الحليفان» في تموز 2010 إلى تصحيح العلاقات في استشعار لأهمية وحدة صفهما بالنسبة لمصالحهما المشتركة، فما كان الا ان استقبل اوباما «صديقه اللدود» نتنياهو مرة اخرى، ولكن هذه المرة بحفاوة بالغة، معلنا آنذاك التزامه بأمن (إسرائيل) مقابل موافقة نتنياهو على استراتيجية العقوبات الأمريكية ضد طهران. «تجميل» التعاون ما لبث أن ارتطم مجددا بجدار الثورات العربية والاختلاف حول التعاطي معها، قبل ان تضاف إلى التغيير الجيوسياسي زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الكونغرس في أيار الماضي والتي ترك صخبها امتعاضا كبيرا في نفوس العديد من الأمريكيين.

التحولات الإستراتيجية

أحجار العثرة على طريق العلاقات (الإسرائيلية) ـ الأمريكية في المنطقة العربية كثيرة.. وهي إن بدت متناثرة، إلا أنها، في ظل تبلور مناخ عربي تغييري و«سوء تدبير» يتهم كل طرف الآخر به، قد تتراكم لتصبح جبلاً.. جبلٌ، في أحسن أحواله، يهدّد بأن ينزع عن هذه العلاقة التاريخية «حصريتها»، وليس هناك من ملف يثير هلع (إسرائيل)، رغم الذي تعيشه المنطقة من اضطرابات سياسية وأمنية، يضاهي ما يفعله الملف الإيراني. فسعي طهران إلى امتلاك السلاح النووي من جهة، ودعوة قادتها إلى تدمير «الكيان الغاصب» من جهة أخرى، يضعان الكثير من (الإسرائيليين) أمام معضلة وجودية.

وطأة الخطر الإيراني، عزّزها بشدة خلال العقد الماضي دعم إيران لحليفيها، "حزب الله" وحماس، عسكرياً وسياسياً ولوجستياً، في حربهما ضد "(إسرائيل)". "سلوك عدائي" تعتبر الأخيرة أنه سيصبح مضاعفاً عند امتلاك طهران للسلاح النووي، فضلاً عما سيقدمه هذا السلاح لها من هيبة ستخطف من (إسرائيل) تفردها، ليس هناك من أحد يشكك في أن الولايات المتحدة معنية بشكل أساسي بهذا الملف. لكن رغم ذلك، يبدو أن واشنطن و(تل أبيب) ليستا على الموجة ذاتها في استشعار أهمية الخطر الداهم.

ففيما لا يملّ الدبلوماسيون (الإسرائيليون) من التهويل بأن إيران وصلت إلى «نقطة اللاعودة النووية»، يتهمون أمريكا أنها تتبنى خطاباً «فضفاضا وفاترا» ضد إيران. أما «الأكثر إحباطا»ً بالنسبة لهم، فهو اقتناعهم بأن لدى واشنطن القدرة العسكرية المطلقة لوقف التهديد النووي الإيراني، إلا أنها تتوانى عن استخدامها أو عن التلويح باستخدامها حتى.

وفي السياق، اعترف نتنياهو مؤخراً أن «هناك فرقا في وجهات النظر وفي الأحكام.. اختلافا في القدرات.. ولسنا بحاجة للتنسيق في كل خطوة»...انعدام التنسيق بين الطرفين برز كذلك في السياسة التي انتهجتها (إسرائيل) خلال الأعوام الأخيرة لتعزيز قوات الردع لديها، تحت ذريعة أن منظومتها الدفاعية «بدأت بالتآكل إثر انسحابها من لبنان في العام 2000». من هنا، كانت الحاجة إلى دحض مقولة السيد حسن نصر الله بأن «(إسرائيل) أوهى من بيت العنكبوت»، ما دفع الجيش (الإسرائيلي) لشن حربه على حزب الله العام 2006 وبعدها عملية الرصاص المسكوب على غزة في 2008.

الإجماع العالمي، والغربي تحديداً، على أن "حزب الله" وحماس أصبحا أكثر قوة مما كانا عليه قبل الاعتداء، عرّض الحكومة (الإسرائيلية) لحملات من النقد اللاذع، جاءت أمريكية إلى حد كبير. وقد توزع النقد هناك على جبهتين، بين يسار يأخذ على تكتيكات الجيش (الإسرائيلي) تسببها في وقوع الضحايا المدنيين، وبين يمين ينتقد فشل (إسرائيل) في هزيمة أعدائها وحسم المعركة باتجاه رسم واقع سياسي جديد. وازدادت حدة اللوم الأمريكي لـ(إسرائيل) انطلاقاً من واقع أن واشنطن تهب، مضطرة، للدفاع عنها في كل مرة تتحرك فيها بصورة أحادية.

يبقى الإحباط المتواصل لعملية السلام الفلسطينية ـ (الإسرائيلية) أبرز مسببات الانطباع السائد في واشنطن بأن حكومة نتنياهو أصبحت جزءاً من المشكلة وليست الحل. من هنا، يأخذ المسؤولون الأمريكيون على (إسرائيل) ترددها في تقديم تنازلات بعيدة المدى بشأن التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني ـ (الإسرائيلي)، الذي ترى فيه الإدارة الأمريكية أهمية بالغة في حماية أمن (إسرائيل)، وفي دعم جهودها الرامية لتوسيع نفوذها في المنطقة.

 

البث المباشر