غزة - أحمد الكومي
لا ينكر الفلسطينيون -أينما حلوا- حجم الدعوات "الحمساوية" الصادرة من غزة أو خارجها والمنادية بضرورة توجيه البوصلة الفلسطينية نحو المصالحة الوطنية، وبغض الطرف عن "استحقاق أيلول" لحين إنهاء الانقسام ولم الشمل الفلسطيني.
ولا شك في أن وسائل الإعلام -باختلاف سياساتها التحريرية- قد "ملّت" أخبار المصالحة والانقسام بعدما أخفقت جهود "إصلاح ذات البين" لجمع الأخوة -فتح وحماس- أكثر من مرة، وباختلاف الوسطاء وأماكن اللقاء.
هذه الدعوات المتنامية من طرف واحد لم تلق آذانا صاغية حتى الآن من السلطة الفلسطينية، وبالأحرى رئيسها محمود عباس، وإن وجدت فستبقى وعودا واهية تسقط بالتقادم؛ بدليل تواصل الاعتقالات السياسية بالضفة بحق أنصار حماس والتنسيق الأمني المستمر مع (إسرائيل).
ورغم ذلك كله ما زالت حماس توجه الدعوة تلو الأخرى لعباس وحركة فتح؛ لإحياء جهود المصالحة والتوجه لحوار فلسطيني شامل من أجل تبني إستراتيجية موحدة تحفظ الحقوق والثوابت.
آخر هذه الدعوات كان مصدرها العاصمة الإيرانية "طهران" -حيث مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية- عبر قيادات بارزة بحماس يتقدمها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، والنائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الدكتور أحمد بحر.. لكن هل تلقى دعواتهم إجابة صريحة من القيادة الفتحاوية وبالأخص أبي مازن في القريب العاجل، أم تبقى كسابقتها من الدعوات؟.
خطوات متسارعة
قيادة فتح كان لها رأي مغاير، وكعادتها أكدت حرصها على المصالحة وسعيها لإرساء القضية الفلسطينية على بر الأمان.
"محمود العالول" -عضو اللجنة المركزية لحركة فتح- قال إن عباس صرح أكثر من مرة حول أهمية المصالحة وإنهاء الخلاف القائم لأعوام عدة، "وما جاء في خطابه الإعلامي بالأمم المتحدة في نيويورك يؤكد ذلك".
وقد صرح رئيس السلطة في خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأن المصالحة مصلحة فلسطينية أساسية لا بد من إنجازها وإتمامها بأسرع وقت.
وأكد العالول لـ"الرسالة نت" وجود خطوات متسارعة أكثر لإنجاز الاتفاق الوطني، كاشفا في الوقت نفسه عن لقاءات منتظرة خلال الأيام القليلة المقبلة، "تجمع بين فتح وحماس؛ للاتفاق على إستراتيجية وطنية شاملة تنهي أعوام الانقسام الخمسة".
وحول إن كانت هذه الخطوات المتسارعة ستُعجل بزيارة عباس لقطاع غزة من أجل تذويب الخلافات القائمة استبعد عضو اللجنة المركزية زيارة الرئيس للقطاع، واكتفى بالقول: "الزيارة غير مطروحة الآن، ولم تعرض للنقاش بعد".
في حين عبر زياد أبو عين –عضو مركزية فتح- عن تفاؤله بزيارة سريعة لعباس إلى القطاع في القريب العاجل، قائلا: "الزيارة ليست مستبعدة، ونتمنى ذلك في أسرع وقت"، وأضاف لـ"الرسالة نت": "تحقيق المصالحة ولم الشمل أولويتان في الأجندة الفلسطينية لدى رئيس السلطة، وستكون هناك لقاءات قريبة في القاهرة المصرية لإنجاز ذلك".. وختم أبو عين حديثه قائلا: "المصالحة قاب قوسين أو أدنى".
يذكر أن مشعل والدكتور أحمد بحر وجها دعوة عاجلة لعباس من طهران للعمل مع الكلّ الوطني الفلسطيني من أجل وضع إستراتيجية وطنية موحدة.
ومن غزة خرج الدكتور خليل الحية بدعوة لإجراء حوار وطني موسع قائلا: "آن الأوان لإجراء حوار وطني موسع من أجل إطلاق أكبر ورشة عمل لدعم القضية الفلسطينية"، وأضاف: "نحن في حاجة ملحة لهذا الحوار كي نصارح أنفسنا أولا، ولنتدارس شؤوننا ثم لنقرر الخطوات المقبلة".
ماذا بعد؟
وقد يتبادر إلى ذهن البعض منا شكوك حول نية السلطة وعباس بشأن المصالحة، ومدى استجابة الأخير لدعوات حماس المتجددة التي قد تذهب أدراج الرياح ولا تجدي نفعا في ظل التجاهل المتعمد إضافة إلى الانفراد بالقرار الفلسطيني بعد التوجه للأمم المتحدة الذي حذرت منه حماس مرارا وتكرارا.
الدكتور فايز أبو شمالة -الكاتب والمحلل السياسي- قال: "ينبغي على عباس أن يستغل هذه الدعوات وأن يبادر لإتمام المصالحة"، مضيفا: "هذه اللحظة المناسبة كي ينقذ أبو مازن نفسه من مأزق المفاوضات.. في النهاية لا مناص من المصالحة".
وعلّق أبو شمالة في حديثه لـ"الرسالة" على الثورات التي تعصف بعدد من الدول العربية ومدى تأثيرها على القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الأوضاع العربية والدولية تصب في مصلحة حركة حماس بشأن المصالحة والخلاف مع فتح، وختم قائلا: "في حالة تجاهل عباس لدعوات حماس هذه المرة فلن يتبقى في تلك الحالة سوى أن يقول الشعب الفلسطيني كلمته، ويلفظ من يؤيد الانقسام وإبقاء الخلاف قائمً"؛ في إشارة إلى السلطة وأجهزتها الأمنية.
وفي ظل الإصرار الحمساوي والتفاؤل الفتحاوي ومع ما تنشره وسائل الإعلام بشأن المصالحة وما يؤكده أصحاب الشأن عن لقاءات مرتقبة بين المتخاصمين.. يتنفس الفلسطينيون الصعداء قليلا على أمل أن تكلل الجهود هذه المرة بالنجاح، وأن تصل الدعوات المطالبة بالمصالحة قلوب كل من يعرقلها ويقف حائلا ضدها وعقولهم.. وتبقى النيات سيدة الموقف.