قال تعالى: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء جعله ساكناًً و جعلنا الشمس عليه دليلاً، ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ." الفرقان ( 45) .
فالظل هنا هو الظل بمعناه العام ، سواء كان ظل حيوان أو نبات أو جماد بما في ذلك الليل الذي هو ظل الأرض .
تدعو الآية الكريمة أن نرى صنع الله ن الذي أتقن كل شيء صنعه ، فيما نرى ، في الظل . فهو الذي خلقه و خلق أسبابه و مده ، و لو شاء سبحانه لغير في أسبابه فجعله ساكناً لا يتحول ولا يزول ، كما يحدث في بعض الكواكب ، كعطارد مثلاً ، ذلك الكوكب القريب من الشمس ، و الذي يقابلها بوجه واحد فقط . فنهاره نهار أبدي ، و ليله ليل أبدي ،و الظل فيه ساكن .
وجعل سبحانه الشمس دليلاً على الظل فبها عرف و بها حدد . ثم يعرض سبحانه واحدة من آياته في الآفاق . و إحدى معجزات هو الظل لعصرنا : " ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً".
ويجب أن ننتبه هنا إلى أن الظل الذي ( قبضناه قبضاً يسيراً) هو الظل الذي دليله ضوء مصباح مثلاً ، أو ضوء نار ،لا يدخل في حكم الآية .
إن الله سبحانه لم يترك الظل الناتج في الأرض عن الشمس على امتداده الذي كان من الممكن أن يكون عليه . بل قبضه قليلاً ،و جعله أصغر أو أقل من ذلك .
لتفسير الآية و فهمها جيداً ، يجب ان ندرس حادثة انكسار الأشعة عندما تمر من وسط إلى آخر مختلف الكثافة . تسير الأشعة الضوئية بخطوط مستقيمة ما دامت في وسط متجانس ذي كثافة ثابتة ، حتى إذا صادفت طبقة أخرى مختلفة الكثافة ، اجتازتها ـ إن كان ذلك ممكنا ً ـ بعد أن ينحرف خط سرها انحرافاً يتناسب مع الفرق بين الكثافتين .
أظن أن كل واحد منا رأى هذه الحادثة عندما رأى صدفة ، أو غير صدفة ، قضيباً موضوعاً بشكل مائل في الماء ، و القسم الأعلى منه بارز في الهواء ، فإن سحبه من الماء وجده مستقيماً وإن أرجعه وجده معقوفاً . و لعل البعض لم يستطع أن يجد تعليلاً لهذه الحادثة .
إن تعليلها هو أن الأشعة تنحرف عندما تنتقل من الماء إلى الهواء بسبب اختلاف الكثافتين ، فيظهر القضيب و كأنه معقوف .
نعود إلى الظل الذي دليله الشمس . ينبعث الضوء من الشمس ، و يسير عبر الفراغ الكوني بخطوط مستقيمة ، حتى إذا اصطدم بعضه بالهواء الأرضي ، ذي الكثافة العالية بالنسبة للفضاء، انحرف ليسير في خط مستقيم آخر يشكل خط سيره في الفراغ زاوية ما .
هكذا يظهر لنا بوضوح كيف ان حادثة الانكسار سبب قبض الظل قبضاً يسيراً .