غزة/كمال عليان:
بمجرد مرورك في شارع الجامعة الإسلامية بغزة سرعان ما يلفت انتباهك العشرات من الباعة الذين افترشوا الأرض وأرصفة الشوارع، ليعرضوا بضائعهم المختلفة، فهذا يعرض الإكسسوارات وذاك يعرض الملابس وآخر يبيع الخروب , وهكذا بات الشارع وكأنه أحد الأسواق الشعبية.
"الرسالة" تجولت بين ثنايا هذا الشارع لتتعرف على أوضاع البائعين والأسباب الرئيسية التي جعلتهم يمتهنون هذه المهنة.
لا يمد يديه
الحاج أبو محمد (58عاما) أحد الباعة المتجولين في هذا الشارع - الذي يفصل بين الجامعة الإسلامية ومقر وكالة الغوث - لم يجد أمامه منذ أن أغلقت "إسرائيل" معبر بيت حانون إلا أن يعمل كبائع للخروب على عربة صغيرة لطلاب الجامعات على مفترق الجامعة الإسلامية.
أبو محمد قابل سؤال "الرسالة" بالضحك قبل أن يجيب بقوله :" أنا عندي تسعة أطفال ومعظمهم في المدارس ويحتاجون مصاريف"، مبينا أنه لم يكن أمامه حل إلا أن يفتتح هذه العربة الصغيرة لكي لا يمد يديه للناس.
ولم يخف صعوبة هذا العمل ومشقته بقوله:" في الصيف أضطر أن أجلس بجانب سور الجامعة لعله يقي من حره وفي الشتاء أضطر أن أضع نايلون على عربتي"، مبينا أنه يخشى من مطاردة الشرطة له في كل يوم.
ويجتمع الحاج أبو محمد مع الباعة المتواجدين بجواره ليحتسوا كأسا من الشاي تارة ويتناقشوا في مختلف المواضيع لعلهم ينسون مرارة الحياة، وينشغلون مع زبائنهم بالبيع تارة أخرى.
ولم يختلف الشاب إيهاب (29 عاما) عن سابقه في سبب "تبسيطه" في نفس المكان ، فهو يضع العديد من الإكسسوارات والملابس أمام المارة ذهابا وإيابا.
وقف الشاب الفلسطيني إيهاب يرتب بعضا من الحلوى والسكاكر الموضوعة على بسطته الصغيرة التي أقامها أمام بوابة الجامعة الإسلامية عله يحصل على بضعة شواقل يسد بها رمق أفراد أسرته.
ويقول إيهاب :" لقد سئمت البحث عن فرصة عمل في غزة فلم أترك أحدا إلا وسألته ولم أجد ردا يفي بحاجتي ولم يبق أمامي إلا أن أستعيض عن عملية البحث بإقامة هذه البسطة الصغيرة أمام الجامعة لكي أستطيع التغلب على قسوة ومرارة الحياة التي تعيشها أسرتي وتأمين حياة كريمة لهم".
ويوضح إيهاب أنه يعيش مع والديه وأخوته السبعة منهم أخ يعاني من إعاقات في جسده تمنعه من المشي على أقدامه، بالإضافة إلى أن اثنين من أخوته قد أنهوا الثانوية العامة ولم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة .
وأشار إيهاب إلى أنه قرر أن يخوض هذه التجربة في البيع والشراء آملا من الله أن يتحسن وضع البلد وأن تفتح المعابر وأن يتحسن مستوى البيع لديه خلال الأيام القادمة، مؤكدا على أن تشجيع أحد تجار الجملة كان سببا رئيسيا لدفعه لهذه الفكرة.
هذا وقد أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير في قطاع غزة فمنهم من أنشأ بسطة أمام الجامعة ومنهم أمام مدرسة للأطفال، بسبب عدم توفر فرص العمل خصوصا بعد اشتداد الحصار وارتفاع معدلات البطالة.
استياء وصبر
وأثارت هذه الظاهرة استياء الـطلاب والسائقين الذين حملوا مسئولية هذا المنظر للبلدية ، التي اعتبرت بدورها أن الضائقة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة هي أسباب ارتفاع وتيرة التعديات على الشوارع، مشددة على أنها لا تتحمل الـمسؤولية وحدها.
وأعرب الـطالب ياسر اللداوي ويدرس في جامعة الأقصى المجاورة للبسطات عن استيائه الشديد لوضع الباعة بسطاتهم في مدخل شارع جامعتهم الذي يعتبر من أهم الشوارع في مدينة غزة، لافتا إلى أن الضوضاء والزحام أصبح سمة للشارع.
واتهم اللداوي البلدية والشرطة بالقصور تجاه هذه القضية، معربا في الوقت نفسه عن تفهمه لحاجة التجار الـماسة للبيع في هذه الأوقات، لكن ليس على حساب النظام والـمصلحة العامة.
وبدوره طالب أبو محمد طافش صاحب إحدى البسطات في شارع الجامعة الـمواطنين والسائقين بالتحلي بالصبر، مؤكدا أن حاجتهم وظروفهم الاقتصادية الصعبة أجبرتهم على ذلك.
وأضاف في حديث لـ"الرسالة" أنه ومنذ ست سنوات أصبح يعتمد في دخله على البيع الـمتجول على البسطات، معربا عن أمله في أن يتمكن من تحقيق أرباح مادية كتلك التي حققها العام الـمنصرم.
وأوضح أن جميع الباعة سيغادرون الشارع فور توفير البدائل لهم، مشيرا إلى أنه لا يرغب ولا يحبذ البيع على البسطات.مشتكي من رداءة الظروف التي يمر بها البائعون أثناء وجودهم في الشوارع.