الكاتب : ابراهيم المدهون
بعد خمس سنوات من عملية عض الأصابع في أعظم عملية اسر لجندي محتل في بقعة صغيرة من بقاع الأرض اسمها غزة، يتم الآن انجاز فلسطيني تاريخي سيساعد في تغيير المعادلة القائمة ويخدم الشعب اللاجئ ويقدمه خطوة للأمام نحو نيل حقوقه المشروعة، حيث أرغم الاحتلال الإسرائيلي وبعد سنوات من الحصار والعدوان ان يستجيب لمطالب المقاومة، ويوقع على صفقة تبادل يتم بموجبها خروج مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية،.
و لندرس تجربة حماس منذ عملية الوهم المبدد، والتي استطاعت المقاومة الفلسطينية ان تنفذها بإتقان وجرأة، وتأسر جنديا إسرائيليا وتقتل اثنين آخرين ، العملية بحد ذاتها من إعجاز المقاومة وتُدرس كنموذج إبداعي في حرب العصابات والكمائن والمفاجآت العسكرية، وعملت على رسم خريطة جديدة للتعامل مع الاحتلال في ظل حكومة تدعم المقاومة وترعى متطلباته الكبيرة. ورفعت منسوب الطموح الفلسطيني ليبدأ بالهجوم وتنفيذ العمليات والعودة بسلام.
لم تنتهي البطولة الفلسطينية عند التنفيذ المتقن للعملية، ولم تكتفي المقاومة بلذة اسر الجندي شاليط، وإنما انتقلت لعملية أكثر تعقيدا في المحافظة عليه حيا دون موت، وفق ظروف غاية في الصعوبة، ومكان يعتبر تحت عين وبصر وسمع الاحتلال، فالمحتلالاسرائيلي كان يظن انه يستطيع ان يرصد قطاع شبرا شبرا وان غزة وان خرج منها الا انها في قبضته وتحت سطوته، ومع ذلك ظل شاليط أسيرا لسنوات وسنوات في حالة من الذهول الإسرائيلي افقدهم صوابهم واثبت ان غزة لا كما يتوقعون وفيها واقع يحمل نواة فلسطينية قوزية. حتى تمنت الأوساط القيادة الإسرائيلية وصاحبة القرار في جلساتها الخاصة وثرثرتها غير المرصودة، " لو ان شاليط لم يكن قد ولد، او انه قتل يوم الوهم المبدد، او حتى ان يموت في قذيفة اسرائيلية.
يقول خبراء عسكريون إن معركة الحفاظ على شاليط أعظم من عملية أسره، فالمقاومة الفلسطينية أسرت قبل ذلك جنودا إسرائيليين، ولكن لم تستطع المحافظة عليهم، وتم كشفهم وملاحقة أسريهم. اليوم شاليط بقي لخمس سنوات آمنا مطمئنا هو وآسريه رغم انف الاحتلال.
وكان لكتائب القسام نصرا إعلاميا متميزا طوال اسر شاليط، فلقد شاهدنا براعة إعلامية احترافية عالية الجودة منذ اليوم الأول وحتى اللحظات الأخيرة، فلم نشاهد بيانات فارغة المضمون تمتلئ بالجعجعة الفارغة، فكانت التصريحات واضحة ومحددة ، ولم نجد اقوال منفلتة من هذا وذاك، الجميع ملتزم بمعايير دقيقة ومحددة.
كما استطاع إعلام القسام التلاعب بالجمهور الصهيوني وتشكيل ضغط نفسي مبرمج وفق خطوات ذكية وعبر أساليب ابتكاريه كان أهمها إصدار أفلام كرتونية تحمل عمق فلسفي يخدم العملية، ورسومات جدارية تحمل دلالات ورسائل، وشهدنا مع كل إصدار إعلامي حراكا سياسياً وشعبياً داخليا اتجاه قضية الأسير شاليط.
كما انتصر الفلسطينيون في عملية اسر شاليط بإرساء قواعد جديدة للتفاوض والتعامل مع المحتل، فلقد قادت حركة حماس مفاوضات غير مباشرة مع المحتل طوال خمس سنوات تختلف اختلاف كليا عن المفاوضات العبثية المرفوضة.
فالمفاوضات غير المباشرة جعلت هيبة للجانب الفلسطيني الذي ابتعد عن بريق فلاشات الكاميرات، ولم ينبهر بقوة العدو فيشعر بالدونية ويتحول من مفاوض لتابع مطيع ، فوجدنا مفاوض أبي لا يقبل الجلوس وجها لوجه مع المفاوض الإسرائيلي ويرفض أن يلتقيه فضلا أن يبتسم في وجهه ويأخذه بالأحضان ويسهر معه على عشاء فاخر.
ان براعة التفاوض يعتبر نصرا آخرا مهما للشعب الفلسطيني، ومكسبا عظيما اعطت نموذجا أن التفاوض والتحاور مع المحتل لا يكون بالتوسل والتودد والتردد والضعف وإنما بإيمان عميق بقضيتنا، وثقة بالنفس وإصرار على المطالب حتى تحقيقها.
ان النصر الكبير في طريق الصفقة تمثل أيضا بالحكومة الفلسطينية في قطاع غزة بقيادة إسماعيل هنية، التي رعت المقاومة وتبنت منهج يد تبني ويد تقاوم، وتحملت في سبيل ذلك العزل والحصار والعدوان ومحاولات الانقلاب، وتمسكت بقرارها الحفاظ على المقاومة وعدم الرضوخ لكل الإغراءات حتى شن العدوان عام 2008، وقدمت فيه خيرة قيادتها على رأسهم الشهيد الوزير سعيد صيام رحمه الله.
أن ما حققته المقاومة اليوم من انتصار وانجاز كبير ومشهود، لا يخص حماس فقط . بل انجاز فلسطيني جمعي، شارك فيه الكل الفلسطيني، ويفرح له ويتبناه الوطن من أقصاه إلى أقصاه. انه يوم تختلط فيه الأصوات والوجوه والألوان الفلسطينية. تحت فرحة واحدة وهدف واحد. أسرنا كل أسرنا لكم العهد.
إن اسر شاليط كلف الشعب الفلسطيني ثمن كبير حتى انتصر في النهاية منطق الثوار الأحرار، فكل فلسطيني في غزة ساهم بشكل مباشر في هذا الانتصار الذي نحتفل فيه الآن ونعد له، و حق لكل منا ان يشعر بالفخر والاعتزاز