مصطفى الصواف
لحظة تاريخية صنعتها المقاومة حققت من خلالها صفقة نوعية. دفعت ثمنا كبيرا صحيح، ولكنها حققت انجازا اكبر خاصة أن هذه الصفقة بشكلها الذي تمت هي صفقة نوعية لأنها شملت أصحاب الأحكام العالية التي لم يتوقع أحد أن يفرج عنهم في ظل الغطرسة الصهيونية وحالة الذل التي بدا عليها المفاوض الفلسطيني على مندى سنوات طوال.
فكانت المقاومة وعملية الوهم المتبدد وأسر شاليط والاحتفاظ به على مدى أكثر من خمسة سنوات عجز العدو بكل إمكانياته أن يصل إلى ما يحقق له انتصارا وهميا في إطلاق سراح شاليط، وكان لديه استعداد أن ينفذ عملية يقتل فيها شاليط على أن يستجيب لصفقة التبادل، إلا أن المقاومة بفضل الله قطعت الطريق على هذا العدو وتمكنت أن تحتفظ به طوال هذه السنوات الطويلة والقياسية داخل قطاع غزة.
حاول العدو مرات عدة عبر المراوغة والتسويف والتوظيف لكل الضغوطات التي مارسها هو بنفسه واستخدم فيها نظم عربية مارست أشكال مختلفة من الضغوطات حتى حول قطاع غزة محاصرا ليس من قبل الاحتلال بل من قبل الأنظمة العربية وتحول قطاع غزة إلى سجن كبير.
ثمن كبير نعم دفعه الشعب الفلسطيني ولكنه حقق نصرا أيضا كبيرا عندما صمد خلف مقاومته وطالبها بضرورة التمسك بشروطها ولا تنظر إلى أي ثمن حتى لقنت العدو درسا في التفاوض سيجل لها بمداد من ذهب ويؤسس لمرحلة جديدة.
نجاح صفقة التفاوض دلل على أن المحاورين كانوا على ثقة كبيرة بالذات ومعرفة بالعدو ونفسيته وكانت لديهم قناعة تامة أن هذا العدو سيسلم في نهاية الأمر للمقاومة ويستجيب لشروطها، وهذا بالفعل الذي تم، ومن يريد أن يتحقق مما نقول عليه العودة إلى شروط المقاومة التي أعلنت عنها منذ اللحظة الأولى وها هي نفس الشروط هي التي خضع لها العدو ووقع عليها.
هي المقاومة إذن والثبات على العهد ووفاء للوعد رغم تشكيك المشككين ومحاولاتهم للنيل من المقاومة وما قامت به وكم حاول هؤلاء مساعدة العدو وجندوا عناصرهم للبحث عن خيوط أو معلومات يمكن أن تساعد العدو على الوصول إلى شاليط، والمؤسف أيضا أن بعض الأجهزة الأمنية المصرية ركزت في تحقيقاتها مع المعتقلين من حركة حماس في سجونها على جمع معلومات عن شاليط.
عرس فلسطيني بكل معنى الكلمة، عرس للوحدة الوطنية الحقيقية، رسخته حماس عندما أصرت أن تكون هذه الصفقة وفق معايير وطنية لا حزبية ولا فئوية بل وطنية وطنية وهذا دليل صحة على ان حماس حركة قائدة لكل الشعب الفلسطيني وهي القادرة أن تطالب بأسراها وتطلق سراحهم جميعا، ولكنها أبت إلا أن تقدم درسا للوطنية غير مسبوق خاصة أن هذه الصفقة مكنت قيادات من أبناء الشعب الفلسطيني ما كان لها أن تخرج في الظروف العادية، فكان للمقاومة بصمة واضحة وأكدت أنها طريق العزة والكرامة وأنها قانون التعامل مع المحتل وأنها سيدة الموقف وهي الأمل الذي سيحقق النصر والتحرير.
على المراهنين على انكسار المقاومة أن يقفوا خاشعين أمامها مقرين لها بالفضل بعد الله في تحقيق هذه الصفقة المشرفة صفقة الوحدة الوطنية صفقت وفاء الأحرار، وان يعملوا على إعادة الاعتبار لها وتفعيلها لأنها الوسيلة الأنجع في تحقيق النصر والتمكين.