السنوار.. ذكريات جيل بأكمله ستعود

غزة - أمل حبيب

تسابقوا سيرا على الأقدام متجهين نحو منزله.. عاد بهم الزمن للأيام الخوالي حينما كانوا يتلقون الأوامر منه في أزقة معسكر خان يونس بهدف تدريبهم على الانضباط العسكري, وصوته الضعيف مازال يصدح في آذانهم عندما كان ممسكا بعصاه الخشبية ويوزع المهام عليهم .

تلامذته العسكريين، تذكروا تعليمات قائدهم الأسير يحيى السنوار " شمال يمين.. للأمام سر..."، فاندفعوا والفرح يجتاح قلوبهم لإبلاغ والده بانعقاد صفقة تبادل الأسرى وتهنئته بأن حلمه برؤية فلذة كبده سيصبح حقيقة.

و عمت الفرحة منطقة خان يونس بأسرها كبيرها وصغيرها فالكثير من أقارب السنوار لا يعرفونه ولكنهم أحبوه من خلال سمعته الطيبة ومواقفه الشجاعة وبذل روحه من أجل وطنه فكان قائدا متميزا, عاشقا للتحدي والفوز في كل المنافسات.

الدموع كانت ردة فعل والد يحيى حينما احتضنه ابناؤه وأهل حيه لتهنئته بالصفقة, ومن شدة فرح الوالد كادت تجاعيد وجهه تختفي وهو يردد:" الحمد لله .. الحمد لله".

ولم يمنع الثمانيني كبر سنه من المشاركة بالمسيرة وهو يشعر بأن كل خطوة تقربه من ابنه المسجون منذ 23 عاما, ولم يشعر بالتعب أو رغبته بالراحة وكأنه أراد أن ينتظر بزوغ شمس الحرية على كل الأسرى.

يحيى بيننا

أما شقيق الأسير الدكتور زكريا السنوار المحاضر بالجامعة الاسلامية فيقول: نحن سعداء جدا بالتوصل الى اتفاق لإنهاء أزمة ألف أسير قضوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال "، مضيفا:"  شعرنا بأن يحيى يقف بيننا حينما جاء الأهل والاحباب لتهنئتنا"، مؤكدا أنهم علموا من وسائل الاعلام بأنه من المحتمل أن يكون شقيقه ضمن الصفقة.

وكانت حماس و(إسرائيل) قد أعلنتا توقيع صفقة تبادل الاسرى بعد مفاوضات استمرت خمس سنوات تقضي بالإفراج عن الجندي شاليط مقابل 1027 أسيرة وأسيرة , وبعد اعلان ابرام صفقة التبادل, يزداد شوق والد يحيى له يوما بعد يوم ويتخيل مشهد لقياه أمام عينه فيشم رائحته تارة ويعانقه تارة أخرى.

والدة يحيى ترقد بسلام الآن والتي قضت أيام عمرها  تصارع المرض على أمل أن تقر عيناها برؤية فلذة كبدها, وفي كل موعد زيارة كانت تسجل رغم أنها تعلم بأنها ممنوعة, وتناجي الله في كل صلاة بان يفرج كرب ابنها, وجاء الخبر اليقين بانعقاد صفقة تبادل الاسرى يا أم يحيى,  ولكن مرض السرطان الذي افترس جسدك كان أسرع.

وبعد وفاة والدته الحاجة "أم جميل" طلب أصدقاء يحيى من إدارة السجن أن يسمحوا له بالاتصال بأهله ليعزيهم بالفقيدة, ولكنهم أرادوا أن يذلوا البطل يحيى فطلبوا أن يطلب هو بنفسه ولكن يأبي الأسد أن ينكسر, فرفض يحيى بكل عزة وكرامة قائلا: أنا لن اطلب منهم شيئا (...) والدتي رحمها الله توفيت, وأهلي صبرهم الله, وأنا الحمد لله صابر محتسب". 

ينتظروه بشوق

و تمنى -شقيقه زكريا- بأن تسعى فصائل المقاومة الى التجهيز لخطف المزيد من الجنود ليتمكنوا من الافراج عن باقي الأسرى.

وقال " فرحتنا الكبيرة تكون عندما يحرر جميع أسرانا البواسل" ، وبعث رسالة الى الابطال الصامدون خلف القضبان قال فيها: "ان ما حدث اليوم لم يكن بالحساب (...) اجعلوا ثقتكم بالله كبيرة فقدره غالب".

يذكر أن الاسير يحيى اعتقل في عام 1988 وتمت محاكمته بالسجن الإداري مدة ستة شهور. وبعد الضربة عام 1989 ضد حركة حماس  تم اكتشاف حقيقة عمل يحيى ورفاقه في التخطيط لخطف جنود حتى وهو داخل السجن وانه من مؤسسي جهاز مجد فتمت محاكمته من جديد وحكم بالسجن 426 عاما أخرى، ولكن لم يقهره السجن فكان يخطط لعمليات فدائية من داخل السجون ويوزع نشرات على أبناء الحركة تحذرهم من عمليات الإسقاط وكيفية المواجهة.

وفي عام 2000 اكتشفت مخابرات الاحتلال بأن ليحيى علاقة في عملية تبادل أسرى خارج فلسطين فأضيف له 50 عاما فأصبح مجموع سنوات حكمه 476 عاما , وتم عزله في السجن الانفرادي مما أدى الى تدهور صحته. 

البث المباشر