ياسر أبو هلالة
حرصت ابنتي رند على مرافقتي إلى مطار الملكة علياء الدولي لاستقبال الأسيرة المحررة أحلام التميمي. فتلك الفتاة، لولا الموقف العنصري الغربي والهيمنة الصهيونية على وسائل الإعلام، تمثل نموذجاً في تحرير المرأة. فهي لم تعتد مناخاً يمنع تعليم المرأة أو عملها، وواجهت وتحدت ونجحت. إنها فتاة تحدت أسوأ احتلال في تاريخ البشرية، وبكل ضعفها امرأة بلا حول تمكنت من تحدي الاحتلال وبأقوى الصيغ من خلال العمل العسكري مع كتائب عز الدين القسام.
إنها لم تحمل شموعاً ولا وروداً، حملت سلاحاً. لم تعتد على أحد وإنما حاولت بالمقاومة أن ترد عادية الاحتلال عن بلدها وناسها. في قصتها كثير من التفاصيل التي تستحق ويجب أن تروى. قصة روح الإنسان التي خلقها الله على صورته، روح تتحدى الحدود والقيود، روح من "يستولدون الحق من أضلع المستحيل". إنها روح المرأة العربية من جميلة بوحيرد إلى دلال المغربي وصولاً إلى توكل كرمان وأحلام التميمي. إنه الربيع العربي الذي ألهم حتى المحتلين والأعداء، وصار من بعده للعرب ما يفخرون به.
ليس مهماً النقاش السياسي حول الصفقة وحول حماس وفتح والسلطة، المهم هو أن الأمة ليست في حال شلل وكساح، إنها في حال استرخاء وعجز وكسل، والفتية قادرون على نفض غبار النوم، والنهوض مهما كلف الثمن.
في ثنايا الاستقبال في مطار الملكة علياء الدولي، أجوبة عن أسئلة "الهويات القاتلة". أحلام التميمي فلسطينية أردنية.
فالأردنيون من أصل فلسطيني قبل فك الارتباط وبعده، جزء أصيل من الهوية الأردنية المفتوحة على الآخر. وعندما صيغ دستور 52 اعترض نواب الضفة على تغييب الهوية الفلسطينية، وتم الخروج من النقاش باعتبار الأردن "جزءاً من الأمة العربية". وقبل وحدة الضفتين كان الناس على ضفتي النهر جزءاً من جنوب سورية.
لا يستطيع العنصريون على ضفتي النهر صناعة هوية مغلقة طاردة. وتلك الهويات التقسيمية هي التي تخدم المشروع الصهيوني، إن حماية الأردن تتطلب الحفاظ على هويته العربية، والفلسطينيون جزء لا يتجزأ من تلك الهوية، مثلهم مثل السوريين والشركس والشيشان والأرمن والدروز. فالتنوع العرقي والديني والثقافي، دليل قوة لا ضعف. والنازيون هم من يبحثون في النقاء العرقي، أما البشر الطبيعيون فلا تعنيهم الأعراق. في مطار الملكة علياء كان عبدالله المحادين ابن الكرك يهتف لأحلام التميمي. وكانت سلمى الطفلة ابنة إبراهيم حامد قائد القسام بالضفة الذي لم تشمله الصفقة تمني النفس بلقاء والدها. تدافع المستقبلون وكأنهم يستقبلون نجماً رياضياً أو فنياً. إن أحلام جزء عزيز منا غيب في السجن لسنين، وهي تلخص حال شعب مأسور منذ العام 67، والأسرى يخرجون من أسر صغير إلى أسر كبير.
إن ما أقوله لابنتي الأردنية أن فلسطين في صلب هويتها، ومن لا يقشعر من منظر الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون من عقود ليس إنساناً، وليس أردنياً. إن مستقبل الشباب العربي مستلب ما لم يتحرروا من الاحتلال والاستبداد.
صحيفة الغد الأردنية