الرسالة نت - صابرين العابد
في ساعات الصفر الأخيرة التي تفصل بين ظلمة السجن ونور الحرية والخروج لأرض الوطن كانت عقارب الساعة متثاقلة جدا وكأنها لا تتحرك.. فأذهان سارحة في كيفية لقاء الأهل والأحبة في الصباح ودموع ممزوجة بين لوعة فراق إخوة الدرب ولقاء أبناء الدم والعرق.
أحداث الاعتقال
تلك هي اللحظات التي عاشها الأسير المحرر عبد الرحمن إسماعيل غنيمات (39 عاما)، وهو أحد أبطال "خلية صوريف" القسامية في الخليل التي تشكلت إثر ضربة حماس في جنوب الضفة المحتلة عام 1992م بجهود المجاهدَين عبد الرحمن غنيمات وجمال الهور الذي ما زال يقبع في الأسر.
ودخل عبد الرحمن سجون الاحتلال عام 1997م هو وجمال الهور بعدما اختطفوا الجندي (الإسرائيلي) (شارون إدري) واحتجزوا جثته لسبعة أشهر، ويروي لـ"الرسالة" قصة تسليمهم للصهاينة قائلا: "بعد اعتقالنا في سجن الخليل التابع للسلطة الفلسطينية نُقِلنا إلى سجن أريحا لمحاكمتنا هناك بأمرٍ من جبريل رجوب، ووقتها تمّ تسليمنا باليد لـ(إسرائيل)".
وكانت الاتهامات ضد أسيرنا المحرر البطل حول العمل في الجهاز العسكري لحماس وتنفيذه عمليات جهادية أسفرت عن قتل صهاينة وعملاء للاحتلال، وحُوكِمَ نتاجها بالسجن خمسة مؤبدات و20 سنة قضى منها 14 عاما.
في الأَسر
ويستذكر غنيمات الأيام التي قضاها في السجن بحلوها ومرّها، وبعيونٍ دامعة جسّد لـ"الرسالة" حال الأسرى في سجون الاحتلال والعذاب الذي يعانونه من إدارة السجون، "حيث حرصها على جعل الأسير يفتقد العيش بحياة طبيعية هادئة من ناحية الأكل والزيارات و"الكنتينة".. حتى تحركاته في غرفته ووقت الفورة"، تبعاً لقوله.
ورغم مرارة السجن فإن أسيرنا المحرر يستذكر تلك الأيام التي قضاها برفقة إخوانه وأحبابه في السجن قائلا: "كنا نعيش على شكل فصائل.. حريصين على جودة العلاقة فيما بيننا وألا نجعلها تتأثر بما يحصل في الخارج".
وبخصوص الترتيبات الداخلية بين أبناء حركة حماس داخل السجون بيّن غنيمات أنهم كانوا يجرون الانتخابات دوريا ويشكلون لجان خاصة لتنظيم حياتهم وتواصلهم مع إخوانهم بالخارج.
وذكر الأسير المحرر القسامي أنه كان يتابع الأحداث خارج السجون أولا بأول بصفته "عضو الهيئة القيادية العليا لحماس" في السجون.
وحول آلية تواصلهم مع أهلهم بالخارج أوضح غنيمات أن الرسائل المهرّبة "الكبسولة" كانت سبيلهم في معرفة الأخبار من خارج السجون، "إلى أن منّ الله عليهم بدخول (البليفونات)"؛ الأمر الذي أوصلهم بالصوت مع ذويهم وبصورة دائمة.. "رغم المعاناة التي كنّا نلقاها من إدارة السجن وعزلنا ومعاقبتنا في الزنازين", وفق قوله.
شعور لا يوصف
وعن كيفية معرفتهم بخبر نجاح صفقة تبادل الأسرى من داخل السجون قال غنيمات: "ليلة الثلاثاء –قبل الصفقة بأسبوع- قرأنا خبرا عاجلا على قناة العربية الفضائية، فحلّ الصمت بُرهةً من الزمن لصدمة الموقف، ثمّ علَت التكبيرات من داخل الغرف"، واصفا حالهم وقتها ما بين حلم وحقيقة بين مصدق وغير مصدق.
وتابع: "كان وقع الخبر عظيما جدا ولم ننم تتبعا لمستجدات الأخبار، وبخاصة أصحاب المؤبدات الذين أملهم بعد الله تعالى بالصفقات"؛ عازيا ذلك إلى أن التفاوض السلمي لا يُفرج عن أيّ أسير "يده ملطّخة بالدماء".
وبعد تأكده من خبر الإفراج عنه بدأ غنيمات يعدّ الساعات والدقائق التي سيخرج فيها ليرى نور الله بعد 20 عاما من الحرمان.
وعندما وطأت قدمه أرض غزة لم يصدق الأسير المحرر نفسه ولسان حاله يقول في ذاك الموقف: "كأنّي إنسان ميت، بُعث من جديد".
ورغم صعوبة البُعد عن الوالدين والأهل وفرحة غنيمات المنقوصة –وفق وصفه- فإنه رأى في الاستقبال الحفيف من أهل غزة عامة وحكومتها خاصة.. "ذاك المشهد العظيم التاريخي الذي لا يوصف.. بل جعل الواحد منّا يكاد يطير"، حسب تعبيره.
وينتظر الأسير المحرر الأيام المقبلة على أحرّ من الجمر لأنها ستشكل لحظة لقائه بوالديه التي لطالما انتظرها، حيث سيلتقي بهم في بيت الله الحرام، متأملا أن يوم العودة آتٍ لا محالة.
وفيما يتعلق ببناء مستقبله في غزة أجاب بابتسامة هادئة قائلا: "الحمد لله كل سُبُل الراحة متوفرة.. لكن أوقاتنا مشغولة ولا نفكّر إلا بالاستقرار"، وتابع: "سألتحق بالجامعة ثم سأرتّب تجهيزات الزواج".
وأثنى غنيمات على الإعلام الذي واكب أحداثهم وأخبارهم منذ مكوثهم في الأسر حتى وطأت أقدامهم ثرى أرضهم، متمنيا من وسائل الإعلام أن تقف لجانب المقاومة ليسرّعوا من الإفراج عن بقيّة الأسرى خلف قضبان سجون الاحتلال.
وأرسل في نهاية حديثه رسالة شكر لأهل غزة عامة والمقاومة على وجه الخصوص على ما بذلوه من جهدٍ لاستقبالهم، داعيا الله بأن يمنّ عليهم بالفرج ورفع الحصار، ومترحما على شهداء معركة الوهم المتبدد.