مؤمن بسيسو
لا نبحث عن إنجاز تكتيكي من وراء لقاء مشعل–عباس الخميس القادم فحسب، فما سيتمخض عن اللقاء، وإن عالج محاور الخلاف في إطار تكتيكي برسم المرحلة الراهنة، إلا أنه يؤسس لنقاش أكثر جدية وعمقا للحديث عن مستقبل السلطة الفلسطينية ومستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
صحيح أن إقرار البرنامج السياسي يقترب من البعد الاستراتيجي أكثر منه في البعد التكتيكي، وأن إعادة تشكيل وبناء منظمة التحرير تضفي مسحة استراتيجية على الجهد والسياسة الفلسطينية خلال المرحلة المقبلة، إلا أن ذلك لن يتشرب المعنى الاستراتيجي بحق إلا عبر بلوغ مقاربات وطنية حقيقية تتناول المرجعيات السياسية الناظمة لعمل ومسار السلطة، ومصير السلطة ذاتها في ظل المعطيات الحالية التي جعلت منها عبئا واضحا على الوطن والقضية.
اتفاقية أوسلو التي تشكل مرجعية عمل وأداء السلطة في مختلف الميادين يجب أن يعاد النظر بها، فلا معنى لأية مصالحة فلسطينية بالمنطق الاستراتيجي في ظل خضوع السلطة للكثير من النصوص والالتزامات الواردة في "أوسلو"، وخصوصا الالتزامات الأمنية التي شوهت العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية في الضفة وجعلت منها أداة رخيصة لخدمة وحفظ أمن الاحتلال.
بالإمكان استيعاب صيرورة المصالحة على شاكلتها الراهنة مرحليا، انطلاقا من صعوبة دفن أو تجاوز إرث الانقسام بين عشية وضحاها، لكن الفرقاء الفلسطينيون سيجدون أنفسهم في مواجهة العديد من التحديات الإستراتيجية خلال المرحلة المقبلة، وهي تحديات من الوزن الثقيل لا يستطيع أحد تجميدها أو تأجيل النظر فيها أو اعتماد مقاربات سطحية ساذجة لمعالجتها.
اتفاقية أوسلو وكيان السلطة لازمتان مترابطتان، فالثانية منبثقة عن الأولى، والأولى تحدد مسار عمل الثانية، وتبعا لذلك فإن الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها وطنيا تقضي بإعادة النظر في "أوسلو"، وعدم التمسك بها بمنطق الببغاوات المجرد، ولو بشكل عملي متدرج، لأن البقاء في أسر "أوسلو" يجتر ذات المصائب والويلات التي عانى منها شعبنا منذ تأسيس السلطة وحتى اليوم، ويشكل أسّ كل خطيئة على الساحة الوطنية.
أما الخطوة الثانية فينبغي أن تناقش مستقبل السلطة، ككيان إداري وهيكل تنظيمي، لأن الصيغة القائمة قد تتناسب مع مرحلة "أوسلو" ولكنها –قطعا- لا تتناسب مع مرحلة مواجهة الاحتلال المرشحة مستقبلا.
هناك حاجة بالغة الأهمية والإلحاح لإعادة تعريف دور ومهام السلطة في حياة الفلسطينيين، وإعادة إنتاج وتشكيل بنيانها الإداري بما يتناسب مع ظروف وتحديات المرحلة القادمة التي قد تتغير فيها قواعد اللعبة مع (إسرائيل) والإدارة الأميركية بشكل خاص، والنظام الدولي بشكل عام.
التوافق على برنامج سياسي مشترك قد يفيد في توحيد الكلمة والموقف خلال المرحلة الراهنة، لكن هذا البرنامج لن يكون قادرا على مجاراة الواقع السياسي والوطني وتفكيك تحديات المرحلة المقبلة ما لم يقترن –ولو لاحقا- بموقف نقدي من اتفاقية أوسلو التي تشرّع التعاون الأمني، وتربط واقع ومستقبل الفلسطينيين، سياسيا واقتصاديا، بالاحتلال.
التحدي الراهن يكمن في معالجة وتجاوز المرحلة الحالية وطيّ صفحة الانقسام بشكل نهائي، كي نؤسس لمعالجة التحدي الأكبر الذي يطاول القضايا الإستراتيجية الكبرى التي لا مفر من بحثها مستقبلا.