فايز أيوب الشيخ
لم يعد مقبولاً لدى الشارع الفلسطيني أن تبقى السلطة الفلسطينية متمسكة بخيار التسوية والمفاوضات مع الاحتلال (الإسرائيلي) في ظل السعي لإنجاز المصالحة الوطنية، وخاصة أن (إسرائيل) تنكرت لكل الحقوق الفلسطينية وتواصل سياساتها الاستيطانية والتهويدية للقدس والأراضي الفلسطينية.
ومما يعزز هذا الرفض الشعبي، أن حركة حماس –التي فازت في الانتخابات وإحدى أكبر الفصائل شعبية- سحبت التفويض الذي كانت قد أعطته لرئيس السلطة محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما يعرف بـ "وثيقة الأسرى 2006" بالتفاوض عن الشعب الفلسطيني وحقوقه.
وتتجه الأنظار اليوم الخميس، إلى ما وصفه المراقبون بـ"اللقاء التاريخي" بين عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أملاً في إنهاء حقبة امتدت إلى ما يربو عن خمسة أعوام من الانقسام السياسي والبدء في تطبيق المصالحة الوطنية.
اختبار للسلط
د.يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء قال "المصالحة والمفاوضات طريقان لا يلتقيان"، لافتاً إلى أنه بغض النظر عن رؤية عباس وحركة فتح حول المفاوضات في الوقت الراهن "فإن الرؤية الفلسطينية العامة تُجمع على أن المفاوضات قد فشلت وغير قابلة للحياة ولن تفيد الشعب الفلسطيني ولا يجب التعويل عليها في ظل السعي الحثيث للمصالحة الوطنية".
وأكد رزقة في حديث لـ"الرسالة نت" بأن مجرد التفكير في استئناف المفاوضات يمثل عقبة أمام انجاز المصالحة الوطنية، مشيراً إلى ان الزيارات الأوروبية الأخيرة لقيادة السلطة في رام الله والتهديدات (الإسرائيلية) المبطنة لها بمنع المساعدات "اختبار حقيقي للسلطة للصمود أمام هذه الضغوط".
وعبر رزقة عن اعتقاده بضرورة المراجعة الحقيقية لخيار التسوية مع الاحتلال برمته، مؤكداً أن البديل في الارتكاز على التأييد والدعم الإسلامي والعربي للقضية الفلسطينية والذي يُترجم حالياً بشكل فعلي وعملي من خلال المسيرات المليونية التي ستنطلق قريباً في القاهرة وعمان ضد تهويد القدس العربية.
وحول ما أوردته صحيفة "القدس العربي" –نقلاً عن مصادر فلسطينية- عن مبادرة أوروبية حملها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني -الذي زار رام الله الاثنين- لرئيس السلطة لاستئناف المفاوضات مع (إسرائيل)، فقد فضل رزقة عدم الخوض في تكهنات فحوى اللقاء، معلقاً بالقول " الزيارة مفاجئة ومهمة وجرى عليها تكتيم إعلامي".
وكانت المصادر، ذكرت أن المبادرة الأوروبية تدعو لاستئناف المفاوضات على أساس بيان اللجنة الرباعية الذي صدر في أيلول/سبتمبر الماضي، بدون الإصرار الفلسطيني على وقف الاستيطان. وألمحت إلى أن الأردن مع هذا الخيار في ظل وجود تعهد أوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة على حدود عام 1967.
مفاوضات بشروط
من ناحيته، نفى نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وجود مبادرة أوروبية لاستئناف المفاوضات، معتبراً أن هذه التسريبات "ليس لها أساس من الصحة"، وقال "عباس ونحن نلتقي الأوروبيين في رام الله بشكل مباشر ولا نحتاج لوساطات".
شعث الذي تحدث لـ"الرسالة نت" –عبر الهاتف من العاصمة السويدية استكهولم- جدد رفض السلطة لاستئناف المفاوضات في ظل رفض (إسرائيل) للشروط الفلسطينية وعلى رأسها وقف الاستيطان ورفع الحصار عن غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام67.
ورأى شعث أن رئيس الحكومة (الإسرائيلية) نتنياهو "غير جاهز لقبول أي شرط من هذه الشروط ويواصل سياساته التعسفية "، مؤكداً أنه ليس هناك إمكانية للعودة إلى المفاوضات في ظل التعنت (الإسرائيلي) والتنكر للحقوق الفلسطينية.
وكان ما يسمى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قال إن عباس أكد لنائب وزيرة الخارجية الأميركية "وليام بيرنز" في محادثات أجراها معه مؤخراً "أنه جاهز للمفاوضات اعتباراً من اللحظة التي توافق فيها حكومة (إسرائيل) على وقف الاستيطان والاعتراف بحدود عام 1967 كمرجعية للمفاوضات وإنهاء حدود دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية".
يذكر أن صحيفة "معاريف" العبرية نقلت أن المهمة –الأخيرة والعاجلة- لبيرنز تقررت بعد الإعلان عن لقاء بين عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في القاهرة الخميس. وأضافت أن بيرنز "حذر السلطة الفلسطينية من تداعيات تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، ما قد يدفع الإدارة الأميركية إلى قطع المساعدات الأميركية عن السلطة".
قناعة السلطة وفتح
وحول قناعة السلطة وحركة فتح بالتخلي عن المفاوضات والاتجاه إلى المصالحة الوطنية، فقد أكد النائب المستقل حسن خريشة، أنه ليس لدى السلطة وفتح من خيار آخر إلا التوجه للمصالحة الوطنية، مستدركاً "حتى وإن لو لم يقتنعوا بشكل نهائي فليس أمامهم سوى المصالحة للخروج من الأزمة التي تعيشها السلطة في ظل فشل مشروع التسوية".
وأوضح خريشة لـ"الرسالة نت" بأن تخلي السلطة وفتح عن المفاوضات والسير في المصالحة "ممر إجباري أكثر منه اختياريا للظروف الموضوعية سواء الداخلية أو الإقليمية، إضافة إلى انسداد الأفق السياسي وفشل مشروع التسوية".
وأشار خريشة إلى أن الحديث المتكرر لعباس عن تمسكه بخيار التسوية والمفاوضات "حديث إعلامي وهو يدرك تماماً أنه لا يستطيع أن يفاوض (الإسرائيليين) الذين تنكروا لشروط الفلسطينيين وحقوقهم"، مبيناً أن "فريق المفاوضات" ربما وصل إلى استنتاجات واضحة أن (إسرائيل) لا تريد السلام وإنما تريد كسب مزيد من الوقت للتوسع الاستيطاني.