مصطفى الصواف
انتهى لقاء مشعل عباس في القاهرة في جو بدا تفاؤليا إلى حد كبير، وعبر عنه المتحدثون من كلا الطرفين رغم أن درجة الاهتمام باللقاء ونتائجه إعلاميا وشعبيا لم تكن على درجة التفاؤل التي ظهرت بصورة رسميو.
نظرت وقلبت فيما تم الحديث عنه عبر وسائل الإعلام من اتفاقات تم التوصل إليها، وهي الوسيلة التي يمكن لنا -بصفتنا مراقبين- أن نقيم بها اللقاء، فلم أجد ما يدعو إلى هذا التفاؤل الكبير، وبتّ أكثر قلقا وحذرا مما كنت عليه قبل اللقاء لأنني لم أجد في لقاء الرجلين جديدا يمكن أن يعطي هذا التفاؤل الزائد، وأن الاتفاق المعلن عنه وهو الاتفاق نفسه الذي أعقب لقاء مايو في القاهرة، والذي شهد التوقيع على اتفاق المصالحة.
وقد لا أكون مخطئا إن قلت إن هدف السيد محمود عباس من اللقاء هو تثبيت موعد الانتخابات في مايو القادم، وهو الهدف القديم الجديد، وهي نقطة يجب أن تأخذ في الاعتبار ونحن نتحدث عن التفاؤل في اللقاء، وبخاصة أن الإفراج عن المعتقلين السياسيين لم يحدد له جدول زمني يبدأ في يوم وينتهي في يوم، والحديث عن تسليم قوائم بالمعتقلين السياسيين أمر لا جديد فيه، وأخذنا نعد الساعات وها نحن نعد الأيام، وأخشى أن نعد الأسابيع دون أن يكون هناك ما يؤشر على قرب انتهاء هذا الملف وإغلاقه إلى الأبد كونه شكل وصمة عار.
المسألة ليست فقط ملف المعتقلين السياسيين فهناك أيضا ملف ملحق به، وهو الملاحقات والاستدعاءات وأجواء الإرهاب والقمع التي لم يطرأ عليها ما يدعو للتفاؤل وبخاصة أن الاتفاق على إجراء الانتخابات يكون في مايو القادم، وهذا الأمر يحتاج إلى فترة لا تقل عن سنة لإعادة الاعتبار للحياة السياسية وإشاعة الحريات بما يدلل على حدوث اختراق في هذا الملف.
ويبدو أن الطرفين -فتح وحماس- ارتضيا أن يبقيا حكومتي غزة ورام الله حتى إلى ما بعد إجراء الانتخابات نتيجة الاختلاف على تسمية رئيس الوزراء والاختلاف الأكبر على البرنامج السياسي لهذه الحكومة، وإلا ما تفسير إرجاء انعقاد لقاء القوى والفصائل الفلسطينية إلى الثلث الأخير من الشهر القادم رغم ضيق الوقت، إذ أوكل لهذا اللقاء الاتفاق على رئيس للوزراء ورسم البرنامج السياسي، واللقاء سيتبعه لقاء والشهر سيليه شهر حتى تنقضي الشهور الستة وندخل فترة الانتخابات، والتي لو جرت والحال على ما هو عليه ستكون ذات نتائج غير ديمقراطية لأنها ستجري في أجواء غير صحية وفي ظل حالة الانقسام.
القضية ليست قضية دغدغة عواطف أو تفاؤل وتشاؤم.. القضية قضية نتائج على الأرض، والأرض تقول إنه لا نتائج ملموسة حتى الآن يمكن الاعتماد عليها وتبعث على الأمل في إمكانية إنهاء حالة الانقسام تماما لتطمئن المواطن بأن هناك انفراجا في كل المشهد السياسي الفلسطيني، لأن السائد هو أجواء ضبابية غير واضحة المعالم.
لا نريد أن نعود إلى الحلقة المفرغة نفسها وإلى أسطوانة التهديدات والضغوط والتدخلات الخارجية التي أشتم رائحة تأثيرها على اللقاء ونتائجه، والتي لم تشكل انطلاقة حقيقية نحو إزالة العوائق المعطلة لمصالحة حقيقية تنهي حالة الانقسام وتؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الفتحاوية الحمساوية، والتي تؤسس لمرحلة فلسطينية شاملة.
أتمنى أن يكون تفاؤل السياسيين من كلا الطرفين تفاؤلا حقيقا مبنيا على نتائج لم نعلمها وأبقياها طي السرية والكتمان، وقد نجد أثرا لها بصورة واقعية وعملية بعيدا عن الإعلام الذي بدا أنه يشكل فوبيا للسياسيين، ولكن في الوقت نفسه من حقنا -بصفتنا مواطنين- أن نتفاءل كما تفاءل السياسيون.