قائمة الموقع

وجع مختلف

2011-12-03T07:29:32+02:00

رشا فرحات

منذ الصباح هنا ننتظر.. نقف فرادى وجماعات نلف على رؤوسنا شاشات ملونة بلون الأرض الخضراء.. في تلك القاعة الصغيرة في المجمع الطبي التابع لقريتنا المرمية على أحد الكثبان الرملية في مكان منزو على خريطة وطن بعيد.. ننتظر تلك المرأة المجهولة القادمة من المستحيل لتقدم لنا حلولا في المستحيلات الكثيرة التي نحياها.

قالوا إنها ستساعدنا في تغير الواقع، فنركض متهافتين اليوم.. نتأمل الواقع، ونرميه وراء ظهورنا.. نجرجر أثوابا ملونة صنعتها يد خياطة واحدة ذات ذوق متردي لا تتقن اختيار الألوان، وبخيوط عوجاء متعرجة نأخذ الثياب المزركشة.. نلبسها ونمضي إلى حقولنا، فلا توجد خياطة غيرها في قريتنا.. ترقد معنا هنا منذ تفتحت أعيننا على ضوء الشمس في زاوية الحي المؤدي إلى شوارع بيوتنا المليئة بأوجاع أنثوية متشابهة.

وقفت الغريبة تتأملنا.. رقبتها مرفوعة إلى أبعد حد.. لا تبتسم إلا من بعض مط لشفتيها يظهرها وكأنها تبتسم.. ابتسامتها لها طريقة مدروسة بإحكام وإتقان.. جدية الملامح، ممشوقة القوام، شعرها منسدل بحرية فوق أكتافها.. رأيتها قبل عشر سنوات في المكان نفسه.. لم يكن لها هذا الشعر المنسدل.. يقولون إنها قامت بعمل عملية تجميل قبل عام فصقلت بشرتها، وجملت قوامها بعشرين ألفا.

تلك متطلبات الحرية كما أعرفها.. أعرفها جيدا تلك المتطلبات.. ستبدأ الآن بالكلام باسمنا نحن النساء، وعن أجسادنا المتهالكة عجنا ومسحا، وتنظيفا، وفلاحة في أرض مزروعة بالفجل والجزر.. امرأة من عوالم أخرى ترص في معصمها الكثير من الخرز الملون، فيصدر أصواتا أنثوية لطالما حلمنا بها، وتقلب في رقبتها عقدا طويلا "يخرخش" في آذاننا منذ دخلت إلى الغرفة.

"لسانها ملوق".. بهذا تمتمت أم أحمد الجالسة إلى جانبي الأيمن، وجهها ناعم" بضوي ضوي".. بهذا، همست أم يوسف التي تحتضن ابنها وتلقمه ثديها فيستكين، ويهدأ وتستمع هي بحرص شديد لتجربة امرأة محلاة بخرزات ملونة تنسدل كالستائر بإتقان في أنحاء جسدها الرشيق فوق ثيابها الملتصقة.

وقفت فجأة ونظرت إلينا ورددت: "ثقافة التغير أيها النساء أنتن من سيصنعها.. دور الإعلام أيتها النساء المتحيز للذكورة أنتن من سيغيرنه.. التابعية الأنثوية أيتها النساء أنتن من يبدله.. الوجع المكتنز في صدرونا أنتن من سيداويه.. المساواة في الوظيفة أنتن من يطالب بها، المساواة في المعاملة أنتن من سيحققها"

قفزت فتحية المبتسمة دوما لسبب وبدون سبب، وقالت: "وأنتن ما هو دوركم".. جلست الغريبة، وتلفتت حولها، لم تكن هناك إجابة.

اخبار ذات صلة
فلسطين وجع السنين..
2012-01-23T11:17:03+02:00