بقلم م. كنعان سعيد عبيد
مقالي ليس عنوان فيلمٍ أو قصة من قَصَص تَسالي الحب العذري يموت فيها العاشق الولهان ويختلط دمه مع وردة الحبيب الحمراء حينها يصفق المشاهدون للقاتل والمقتول والمخرج, بل هي قصة شعبٍ مع شعب يوم قيل شعب بلا أرض لأرض بلا شعب.
من تَتَبع تاريخ فلسطين يرى فيها متحفاً لتاريخ البشرية من مقتل ابن آدم هابيل حين كتب الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل "من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً وقصة "إن فيها قوما جبارين" و"ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" و"غلبت الروم في أدنى الأرض" و"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" والفتح الإسلامي والعهدة العمرية وعين جالوت وحطين وليس انتهاء عند "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة" وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه}.
وكما كانت الأرض متحفاً، كانت القضية الفلسطينية مختبراً لكل مجتهد في أفكار المقاومة ولم تُنافق القضية الفلسطينية زبائنها ولم تُصفِّق لرجل مات يحمل وردة، ولم تنحن احتراماً لمفاوض يبتسم لعدوه، ولم تُطرَّب على وقائع مقاومة شعبية غير ذات الشوكة, هي القضية حين فهمت المقاومة بلغة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" وكانت القوة الرمي لا اللسان والهتاف, وحين فَهمتْ القضية أن المقاومة السلمية أن ترعب عدوك رهباً مسيرة شهر فتَسْلم, أو تقتله فتسلم وتغنم, أو تخطف شاليطاً فَتُسَلَّم الأسرى, أو يستسلم ليسلم أو يرحل, وكانت المقاومة الشعبية بلغة القرآن "انفروا خفافاً وثقالاً" ولغة التفاوض بلغة خروج (إسرائيل) من غزة على شروط مفاوض قاذف الهاون الأطرش وتحرير الأسرى نزولاً على إشارات مفاوضنا الأبكم, وكانت قضيتنا مختبراً لعشرين عاما على أعتاب مدريد وأوسلو وأربعين عاما على "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" وسنين لم تنته على الحياة مفاوضات لصائب.
وكفلسطين كانت غزة عنوان القضية معملاً يُصقَّل فيه فكر التحدي وتُستَنبت فيها براعم ربيع الثورات العربية وكأنها مشتل استزراع نبتات العز أو كأنها رقعة نبتة الخير يُستبضع منها.
كذا تُكتب حكاية شعب وأرضه, إما بدم صاحب الوردة الحمراء يُقتل في مذابح تُحيَى احتفالاتها السنوية كعيد وطني ويُغنَّي لها ألحان الحزن الكئيب ويُصفِق لها المتفرجون ثم ننسى أو بدم شهيد قُتل دون عشرين من محتليه أو يزيد.