مؤمن بسيسو
العمل الحركي الإسلامي ليس عملا وعظيا مجردا، أو مجرد منظومة دعوة أخلاقية سلوكية فحسب بعيدا عن هموم ومشكلات الواقع والمجتمع.
العمل الدعوي والتربوي يشكل جانبا هاما وركنا أساسيا في مسيرة البناء والعمل الحركي الإسلامي، لكنه لا يشكل كل العمل والجهد والأداء، وما لم يتساوق مع الانغماس في حل وتبني هموم ومشكلات الناس فإنه يبقى قاصرا ومتقوقعا وعاجزا عن بلوغ المرامي والأهداف الإسلامية الكبرى التي تبغي إعادة صياغة المجتمع على أسس نظيفة وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع بدون استثناء.
قد يكون مفهوما الاقتصار على الجانب الوعظي في مراحل النشأة والتكوين، لكن تطور آفاق العمل الحركي الإسلامي، ودخوله خط المنازلة الحادة والمراغمة الفعلية لمكونات البيئة المحلية والإقليمية والدولية، أفكارا ومعتقدات ونظما، جعل من النزول إلى واقع المجتمع وتلمس هموم الناس المعيشية اليومية احتياجا بالغ الضرورة والإلحاح، وشرطا جوهريا لا يقبل التأجيل.
النزول إلى واقع المجتمع لا يعني الانتشار الوعظي بين الناس على أهميته، بل بذل كل ما من شأنه خدمة الناس والتيسير عليهم في معاشهم اليومي، والبقاء على حالة من التواصل الفعال معهم دون أي انقطاع.
العمل الوعظي في فهم وعرف وعمل الإسلاميين يشكل تحصيل حاصل، ولا يعتوره خلل أو نقص على الأغلب مع حاجة دائمة للارتقاء والترشيد، لكن خدمة الناس تبقى "صنعة" فائقة الأهمية و"دورا" بالغ الخطورة لم يجرِ التعامل معه كما تم التعامل مع الجانب الوعظي في أكثر من تجربة إسلامية ومنطقة عربية.
واقع اليوم ليس كواقع الأمس، فالحركة الإسلامية في عموم المنطقة العربية لا تحتاج إلى كثير وعظ وإرشاد بقدر ما تحتاج إلى دقة وإحسان العمل وخدمة الناس والبحث الجاد والتحري التام لحلول تفكك عقد الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤرق بال المواطن العربي الذي تجرع مرارات الألم والقهر طيلة عهود الظلم والاستبداد الماضية.
مبدئيا، لا خشية على اختيارات الجماهير بشكل عام، فالهوية الإسلامية تبقى قبلة شرائح واسعة من الناس والمجتمع بحكم المنهج والثقة والمصداقية، لكن الحديث لا يدور عن صك تأييد جماهيري مفتوح للإسلاميين، فمصير التجربة، أي تجربة حكم، يتحدد بحجم ما تناله من إنجازات وإخفاقات، وما تحققه من تلبية وتناغم مع هموم الناس واحتياجات المجتمع.
تجربة حماس الحاكمة في قطاع غزة -كحركة إسلامية رائدة وطليعية وتتصدر الحركة الإسلامية العربية- لم تكن مشجعة في إطار التعامل مع الناس لأسباب واعتبارات مختلفة، ولا بدّ من مراجعة الموقف والذات، واستخلاص العبر من حيثيات التجربة، بعجرها وبجرها وإيجابياتها وسلبياتها، لأن المواقف الوطنية المجردة المصحوبة بإخفاقات بعض جوانب التجربة أيا كانت الأسباب قد لا تكفي لإقناع بعض شرائح الجماهير التي تبحث عن مصالحها المجردة ودرجة الانسجام مع احتياجاتها وهمومها المعيشية.
الحركة الإسلامية العربية التي تصدرت المشاهد الانتخابية في بعض البلدان العربية أمام تحديات كبرى هذه الأيام، وعلى رأسها الدوران مع هموم الناس ومشكلاتها ومصالحها حيث دارت، ولتُكثر من الاهتمام بواقع شعوبها وحاله المزري فإن خدمة الناس وتحقيق القيم الكبرى بينها، كالحرية والعدالة والمساواة، تشكل دعوة عملية وبالغة الفعالية إلى الحق والإسلام.
المرحلة الحالية هي مرحلة خدمة الناس في مختلف الميادين، ولننتظر بعدها جمال النتائج وروعة الحصاد