المحافظة الوسطى-محمد بلّور-الرسالة نت
رغم أن بندقيته قديمة ورصاصاته قليلة إلا أن التاريخ سجّل للأسير المحرر خميس زكي عقل المشاركة الفاعلة في تنفيذ أول عملية فدائية للقسام سنة 1992 قرب محررة كفارداروم.
يعد المحرر عقل 46 سنة من أبرز أعضاء المجموعة القسامية الأولى برئاسة المحرر وليد عقل في مخيم النصيرات. حكم الاحتلال على المحرر خميس عقل بالسجن 21 مؤبد وعشرين سنة وقد تنقل بين عدة سجون حتى خرج في صفقة "وفاء الأحرار".
رحلة مبكرة
بدأ نشاطه في جماعة الإخوان المسلمين قبل اندلاع انتفاضة الحجارة ثم نشط في فعاليات الانتفاضة الشعبية من تنظيم المظاهرات والكتابة على الجدران ومجموعات الملثمين حتى جاءه الدور ليكون من أول مجموعة قسامية في فلسطين.
اشتهر بأنامله الخبيرة في كتابة ورسم الشعارات وهي خبرة انطلقت مع انتفاضة الحجارة دون أن يمارسها من قبل لكنه كان موفق جدا فيها.
شارك مع مجموعة كبيرة من الشبان في قمع جواسيس الاحتلال ضمن صفوف "الصاعقة" الإسلامية وهي وحدة مختارة من الشبان تتبع حماس هدفها ردع الجواسيس والساقطين وقد تولى مسئوليتها في مخيم النصيرات حينها المحرر جلال صقر.
اليوم بعد عشرين سنة من الأسر يتذكر خميس كيف كان يتوق لمقاومة الاحتلال بعيد اندلاع الانتفاضة الأولى وهو يرى صنيع جواسيس الاحتلال حيث توقف العمل العسكري بعد اعتقال مجاهدي منظمة "مجد" التابعة للإخوان المسلمين في حينها.
بعد اقتراحات ومطالبات مع قيادة الحركة الإسلامية في قطاع غزة جاء الرد للأسير المحرر وليد عقل مؤسس المجموعة الأولى في القسام بالموافقة على العمل.
تسلل الفرح لقلب خميس ووليد وبقية المجاهدين فقام وليد بتشكيل المجموعة الأولى للقسام بعد الحصول على الإشارة من شخص غير معروف حتى الآن.
توجه وليد عقل للمحرر جلال صقر مسئول "الصاعقة" حينها وطلب منه فرز بعض الشبان فوقع الاختيار على خميس وياسر الحسنات وطارق دخان وماهر إسماعيل وجلال صقر ثم تشكلت المجموعة الأولى أواخر سنة 1990 وباشرت العمل في فبراير 1991.
انطلاقة القسام
حصلت المجموعة الأولى على مسدس من الشهيد مروان الزايغ واختار المحرر وليد عقل خميس ليعلن رسميا عن انطلاقة كتائب القسام خلال تشييع أحد شهداء مخيم النصيرات ويدعى حسين أبو يوسف.
عن تلك اللحظة يضيف: "كان معي مسدس وقال لي وليد أطلق 3 رصاصات وقل إن كتائب القسام ستلاحق اليهود وعملائهم فأطلقت وأنا ملثم 7 رصاصات وأعلنت انطلاقة القسام".
أرادت مجموعة وليد وخميس العمل بشكل متواز في مقارعة الاحتلال وتصفية العملاء لكن الحصول على السلاح والذخيرة كان أمراً صعباً للغاية.
شرعت مجموعته في التحقيق مع العملاء وتسجيل اعترافاتهم قبل تصفيتهم وهو منهج تميز به القسام كما يقول خميس عن بقية التنظيمات ما أكسبه مصداقية وثقة الناس.
وقال عقل إن مجموعات القسام في محافظة الوسطى كانت تتسم بالسرّية التامة والتنظيم الكبير فلكل مخيم كان مجموعة قوامها 5 أفراد يتصلون ببعضهم عبر نقاط سريّة ولا يعرفون بعضهم.
الطريقة اللبنانية
شرع خميس ورفاقه في إعداد العبوات الناسفة ونصبها في طريق دوريات الاحتلال على شارع صلاح الدين فزرعوا 14 عبوة ناسفة.
عن ذلك يضيف: "كانت عبوات كبيرة وموقوتة نضعها بعد حظر التجوال فنضع الأولى مثلا عند الثامنة وخمس دقائق والثانية عند الثامنة والربع".
لم يكن الجيش (الإسرائيلي) يعترف بوقوع خسائر في صفوفه بينما كان القسام يعلن ذلك عبر بيانات رسمية دون أن يعرف أحد لمن يتبع القسام من التنظيمات !.
في أقبية التحقيق ركّز ضابط المخابرات في أسئلته مع خميس على التكتيك الذي دفعه لنصب عبوات موقوتة يفصل انفجارها عن بعضها 10 دقائق وهي طريقة لبنانية كما قال الضابط.
سأل الضابط خميس من علّمه هذا التكتيك؟ لأن انفجار العبوة الثانية كان يؤذي الجنود, فرد خميس أن ذلك محض اجتهاد شخصي وقد كان ذلك بالفعل !
استهداف جنود الاحتلال
مرّ العمل على نسق واحد في مجموعات القسام سنة 1991 , تصفية وملاحقة العملاء وإزعاج الاحتلال وقد كان ذلك يجري دون أن يملك القسام سوى مسدس واحد وبندقية "كارلو" يفتقدان للذخيرة ! .
تعرض اثنان من أفراد القسام للاعتقال فذكرا اسم خميس وبعض رفاقه في التحقيق عندها امتلكت المخابرات الخيط الأول لهوية خميس وزملائه لتبدأ رحلة المطاردة الشاقة.
عن تلك المرحلة يتابع: "كان معي مسدس دون ذخيرة طوال 3 شهور حتى عثر الشهيد حامد القريناوي على رصاص قرب مجمع نفايات في البريج سقط من جنود حرس الحدود وجاءني بـ 18 رصاصة يومها قلت لوليد عقل سأنفذ عملية ضد الاحتلال".
أول عملية فدائية
بناء على الرصد السابق توجه خميس برفقة المجاهد سالم أبو معروف مستقلين سيارة يقودها خميس وأوعز خميس لسالم بإطلاق النار من المسدس نحو رأس أحد "المستوطنين" وهو حاخام متدين يدعى دورون شوشان.
قبيل المغيب من يوم 1-1-1992جلس سالم في المقعد الخلفي وعندما شاهدوا سيارة "مستوطن" تخرج من محررة "كفارداروم" تحركا ثم تجاوزا سيارته وعادا بطريقة التفافية حتى أصبحا مقابله فأشهر أبو معروف مسدسه مقابل "المستوطن" المستقل لسيارته وأطلق رصاصة نحو رأسه فشاهد خميس نزف الدماء من رأسه وفمه ثم طلب خميس منه إطلاق 4 رصاصات أخرى فقضى عليه.
وقرر خميس الانسحاب من طريق القدوم للتمويه وهو ما حيّر الاحتلال الذي شرع في مداهمة واعتقال الكثيرين من مدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى.
عن تلك العملية يقول: "كانت أكبر فرحة في حياتي ولو كان بحوزتنا سلاح أيامها لقتلنا الكثيرين بكل جرأة لكننا أخرنا الإعلان عن العملية بعد 14 يوم وقد تولى الإعلان الجهاز الإعلامي لحماس فعلم الناس أن القسام يتبع حركة حماس".
رحلة المطاردة
بعد عشرين يوم على عملية مقتل "المستوطن" هاجم الاحتلال منازل أعضاء مجموعة القسام في النصيرات في ليلة واحدة فألقى القبض على بعضهم.
استمرت رحلة المطاردة من 20 يناير حتى السابع من يونيو 1992 وقد اتسمت تلك المرحلة بالصعوبة خاصة في توفير مكان للإيواء.
لن ينسى خميس ذلك اليوم الذي اضطر فيه للمكوث هو و10 مطاردين في حجرة لا تتعدى مساحتها 2*2.5 متر مربع تحت الأرض.
عن ذلك اليوم يضيف: "وضع الرجل الذي كان يؤوينا أكياس من الحبوب للتمويه فوق فتحة الحجرة وذهب ثم انقطعت الكهرباء فتوقف شفاط الهواء وبدأنا نختنق حتى استجمعنا قوانا وأمسكنا بالسلم ودفعنا الفتحة العلوية المغلقة ونجونا ! ".
استشهد فيما بعد كل من المجاهد ياسر الحسنات ومحمد قنديل ومروان الزايغ في منزل آل الديري بحي الصبرة بينما واصل خميس العمل في خان يونس مع المجاهد مازن النحّال وسالم معروف.
الاعتقال
عبر المصادفة فقط ألقى الاحتلال القبض على خميس عقل قرب مسجد النور بخان يونس عندما كانت تمر دورية للجنود تزامن مرورها مع سيارة خميس وزميله النحّال.
توقفت 8 عربات عسكرية وبدا الجنود في فترة استراحة وعندما شاهدوا سيارة خميس دعوه وزميله لمسح الشعارات المكتوبة على الجدران.
قرر خميس وزميله النزول ومهاجمة الجنود بما معهم من أسلحة حتى الاستشهاد, نزل خميس بجوارهم تماما لا يفصله عنهم سوى متر بينما قرر الآخر الوقوف خلف السيارة.
عن لحظة الهجوم يضيف: "كان معنا كارلوهات و25 رصاصة لكل منا فتفاجأ الجيش بإطلاق النار منا ورأيت خمسة جنود سقطوا أمامي ثم هجمت عليهم عندها بدئوا يطلقوا النار فأصابوني برصاصة فوق الركبة خرجت من فخذي وجرحت عيني المصابة سابقا بينما أصيب مازن بـ20 رصاصة".
هاجم الجنود خميس بعد نفاذ ذخيرته وضربوه فجرحوا رأسه وكسروا ضلعين من صدره وكان هو قد انتزع بندقية إم16 منهم وحاول إطلاق النار فكانت فارغة.
أصبح وجها لوجه أمام الضابط ثم حاول استفزازه فبصق في وجه الضابط فرد عليه مستهجنا "لماذا تبصق أنا جندي وأنت جندي! ".
فأجاب خميس أنه يريدهم أن يطلقوا النار عليه حتى يستشهد فارتمى الضابط عليه مانعا الجنود من إطلاق النار محترما شجاعة خميس.
نقلت مروحية المصابين لمستشفى داخل (إسرائيل) وهناك واصلوا التحقيق معه مستغلين الضغط على إصابته ليعترف.
عن التحقيق يقول: "كانت القضبان الحديدية داخل عظمي ولم أكن أشعر بساقي بتاتا وكانوا يحاولون الضغط على ساقي وكنت أتظاهر بالألم لكني لم أكن أشعر بشيء حتى انتهى التحقيق".
أمضى بعد ذلك 7 شهور في مستشفى الرملة وهناك منعوه من العلاج الطبيعي فبدأ هو لاحقا بتدليك ساقه حتى أصبح قادرا على السير.
أمضى سنة ونصف في عزل الرملة تحت الأرض ثم نقلوه لسجن عسقلان ومكث من العام 1994-1997 ثم نفحة حتى نال حريته.
أسير خطير
كتبوا على ملفه الاعتقالي بالخط العريض "خطير" ومنعوه من أبسط حقوقه وقد تفوّق هو على أغلالهم حين سخر من سنين السجن العشرين.
وأضاف عقل: "لم يؤثر علي السجن لم أغضب أو أستفز أمضيته كله ضحك ومرح كأنه رحلة خلافا عن كثيرين فعلاقتي مع الكل ممتازة وكنت أتوقع العودة لمنزلي في كل لحظة".
وتابع: "شعرت بفرحة كبيرة في معتقل نفحة حين أسر القسام جلعاد شاليط خاصة بعد فشل عمليات اختطاف كثيرة من قبل" مشيراً إلى أنه كان في مستشفى الرملة يجري فحصا لعينيه حين جاء خبر نجاح الصفقة. وساورته الهواجس: "هل ينسوه من الصفقة وهو بالمشفى ! " , وأوضح أنه عندما عاد إلى غزة ومخيم النصيرات وجد كل شيء تغير, الناس والطرقات وكل شيء".
وفي طريق الحرية من معبر رفح البري شعر خميس أن جنود القسام المنتشرين على الطرقات كلهم أبناءه وأن غرسه الذي غرسه يوما بذرة نما وترعرع.
يسعد خميس الآن بالنظر إلى 9 أحفاد من ابنه جهاد وابنتيه وقد ترك أبناءه أطفالا حتى عاد ووجد ابنه جهاد قد أنجب له حفيده خميس ورندة على اسمه واسم زوجته.
وينوي خميس أن يشارك في حمل هموم حركته ووطنه وهو مطمئن لحرية قريبة سينالها الأسرى لا محالة !.