غزة - ديانا طبيل
" أكيد محسود ، عين و صابتك ، اذبح ذبيحة ، اشعل حبة بخور" كلمات ونصائح تتردد بصورة يومية من أفواه النساء والرجال على حد سواء ، فالجميع متفق على أن الحسد من الأمراض التي تصيب النفوس وتفسد صفاء القلوب ، لما يترتب عليه من إلحاق الأذى بالآخرين ، فما أسباب حدوثه ؟ وهل اقتناء الخرزة الزرقاء والكفة والحذاء وإشعال البخور كفيلة بإبطال فعل الحسد ؟ وكيف يمكن أن يحمى الإنسان نفسه من مرض القلوب ويتحدث بنعم الله عليه دون أن يخشى حاسداً ؟
أغرب من الخيال
لم تكن تدرك أم محمود دواود " 39 عاما " أن هناك أشخاصا يحسدونها على أقل الأمور وأصغرها فبعدما ورثت مبلغا من المال عن عائلتها، قررت أن تعيد ترتيب أثاث المنزل كنوع من استغلال المبلغ، ولكنها تفاجأت من أنه وبمجرد دخول صاحب محل المفروشات لإنزال السجاد في المنزل ، سقطت ابنتها من سريرها وأصيبت بإصابة بالغة جداً .
وتقول :" بعد أيام جاء صاحب محل الستائر لتركبيها وبعد دقائق معدودة سقط ابنى الأكبر عن درج البناية التي أسكنها"، موضحة أنها كلما همت بجلب شيء جديد تفاجأ بحادثة أغرب من الخيال تصيب أطفالها.
وتضيف أم محمود :" احدى جاراتي المتدينات زارتني، ونصحتني بأن أجلب ما تبقى من مشتريات جديدة في الليل الحالك حتى أضمن نوم عيون الناس"، مبينة أنها منذ تلك اللحظة لم تفارق السور القرآنية والمعوذات منزلها .
في حين ترى أم محمد . ش " 50 عاما " أن الحسد مثل الصاعقة يأخذ الروح، مستشهدة بحادث مؤسف حدث معها قبل عدة سنوات.
هماً قد أزيح
وتقول أم محمد :" قبل سنوات أنجبت طفلا في غاية الجمال والصحة، ولم يشك يوماً من أية أمراض، و في أحد الأيام ذهبت إلى زيارة إحدى قريباتي التي لم يمن الله عليها بالإنجاب"، مضيفة:" أثناء جلوسي عندها ومعي طفلي خاطبتي قريبتي قائلة " لماذا اعطاكى الله ولم يعطني ؟ مبينة أنها دعتها إلى الاستغفار والدعاء إلى الله.
وتتابع أم محمد:" وضعت طفلي في سريره نائماً عند عودتي مباشرة وظل نائما طيلة الليل في صبيحة اليوم الثاني وجدت طفلي جثة هامدة"،منوهة إلى أنها ومنذ تلك الحادثة أدركت بأن الحسد مرض يصيب النفوس ويفسد صفاء القلوب.
ولم يكن حال أبو أشرف حمادة " 40 عاماً " أفضل من سابقيه فهو لم يهنأ أبدا بعدما اشترى سيارة حديثة، بسبب الحسد الذي طاله من الناس حسب وصفه.
وقال :" في أحد الأيام بينما كنت ذاهباً إلى عملي شعرت بأن هناك دخانا يخرج من مقدمة السيارة ، فوقفت إلى جانب الطريق محاولاً معرفة السبب"، مبينا أنه بعد لحظات معدودة رأى السيارة تشتعل أمام عينيه، والغريب في الأمر أنه لم يحزن بل شعر أن هماً قد أزيح عن صدره .
يختلف في مراتبه
بدوره يقول الدكتور ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية أن الحسد مرض من أمراض النفوس المنتشرة التي تصيب قلوب كثير من الناس، ولكنه يختلف بدرجاته ومراتبه و أعلى درجاته تمنى زوال نعمة الخير عن الآخرين .
وأكد أن أشد الصور التي يقع بها الحسد الإصابة بالعين، ذلك أن الحسد ممكن أن يقع بالمشاهدة أو بالاستماع أو بأي حاسة من الحواس.
وأرجع السوسى أسبابه إلى ضعف الوازع الديني ، وتأصّل صفة الطمع والجشع عند الآخرين دون وجه حق، و ما ينجم عنه تملّك وساوس الشر له، لتدفعه لكل ما فيه مفسدة للآخرين، وكذلك الحاجة والعوز مع عدم وجود العدالة والشعور بالظلم من الفقراء مما قد يعزز لديهم هذا الشعور تجاه الآخرين الأفضل حظاً ونعماً منهم .
وأضافً : هناك فئة من الناس يتأصل الحسد في نفوسهم بدرجته العليا، فلا يحسدون لسبب عارض ولكن لأجل الشر والإيذاء، فلا يحبون الخير لأحد من الناس ويتمنون زواله، وهذا الصنف يُخشى على دينه من أن يكون محل نظر، لأن الأصل في المسلم أن يحب الخير للناس كما لنفسه، وألا يتمنى زوال النعمة عنهم لأنه ضرب من ضروب العداء للإنسان.
ذكر الله
و حذر السوسى من ذهاب البعض إلى تعليق التمائم و"الخرزة الزرقاء" و فردة الحذاء والكفة وممارسة بعض الطقوس كإشعال البخور بهدف الوقاية من الحسد والإصابة بالعين، كونها عادات الجاهلية ، و لا تنفع ولا تضر.
واستدرك بالقول: لكن من علق شيئاً من التمائم المشروعة بمعنى أن تكون آية أو المعوذات، أو علق المصحف في صدره، أو وضعه في جيبه فلا بأس في ذلك ، أما فيما يتعلق بلجوء المحسودين إلى ذبح المواشي دفعاً لضرر الحسد، أوضح بأنه ليس وسيلة للعلاج ولكن الصدقة لها دور كبير في والتحصن من حسد الآخرين .
وعرج نائب عميد كلية الشريعة والقانون إلى كيفية الوقاية من العين والحسد، من خلال الإكثار من ذكر الله، والتحصن بالمعوذات الثلاث وقراءة القرآن وسماعه ، وأن يستشعر الفرد بقرارة نفسه بأن أياً من الخلق لا يستطيع أن يسلبه نعمه إلا بإذن الله، مشدداً على ضرورة الانتباه للأطفال وتجنيبهم الحسد كونهم الأكثر عرضة له، فمن المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى طفلاً دعا له بالبركة.