الرسالة نت - شيماء مرزوق
داخل الغرف المحصنة يقبعون, وخلف الجدران المتآكلة يعيشون.. يلفون أجسادهم الصابرة ببقايا بطانياتهم القديمة علها تسرب بعض الدفْ إليهم.. يتأملون حالهم الذي لا يتغير؛ فشتاء مضى وآخر بدأ ومطالبهم لم تلب، وشكاواهم لم تجد من يصغي إليها.. هذا جانب من معاناة الأسرى الصامدين في سجون الاحتلال الصهيوني في فصل الشتاء كما يصفها لـ"الرسالة نت " احد الاسرى من الضفة الغربية, والذي ما زال يقبع في سجون الاحتلال منذ ما يزيد عن 20 عاما.
أشد قسوة
ويستقبل الأسرى في كل السجون وبخاصة الصحراوية مثل النقب ونفحة وبير السبع وريمون أيام البرد والصقيع بحذر وخوف في ظل سياسة الانتقام والإهمال التي تتبعها مصلحة السجون بحقهم بمنع تزويدهم بما يلزمهم ليقيهم برد الشتاء.
يقول الأسير من داخل سجن النقب الصحراوي والذي نتحفظ على اسمه لسلامته: "نعاني كثيرا في فصل الشتاء لسبب البرد القارص الذي نواجهه في السجون وبخاصة الأسرى المرضى الذين لا يتحملون برودة الجو في السجن الصحراوي المكشوف, ولا يوجد بدائل لنا للتعامل مع برودة الشتاء والأمطار الغزيرة"، ويتابع: "السجن ضيق والبدائل فيه محدودة جدا وتقتصر على الاحتماء من البرد وتحصين أنفسنا بما يتوفر لدينا من ملابس وأغطية, إذ عانينا كثيرا خلال المنخفض الشديد الذي أصاب المنطقة قبل فترة".
ويصف وضع الأسرى في سجن النقب بالمأساوي، إذ يقيمون في خيام تفتقر لكل مقومات الوقاية الحقيقية وينامون على أسرة خشبية وفرشات من الإسفنج الرقيق، ويعانون من العديد من الأمراض وبخاصة آلام الظهر, موضحا أن الخيام تمتلئ بالثقوب التي لا تحجب المطر عنهم بالإضافة إلى فقدان الأغطية والملابس الشتوية, وهذا ما يؤدي إلى انتشار أمراض كثيرة بين الأسرى مثل الروماتزم.
اسير اخر -من رفح ويقبع في سجون الاحتلال منذ 24 عاما نتحفظ على اسمه ايضا - قال بدوره لـ"الرسالة نت "إنهم طالبوا إدارة السجن كثيرا بتوفير لهم الملابس والأغطية ومستلزمات فصل الشتاء, "وهي تقوم بإبلاغ الصليب الأحمر الذي يتحجج بدوره بأنه لا يملك التصاريح اللازمة لإدخال كل هذه الاحتياجات لهم".
ويشير الأسير إلى أن الأسرى يتضامنون مع بعضهم في توفير الحاجيات، "لكن هناك نقص أساسا.. حتى فيما يسمح بإدخاله لمعتقلي الضفة، مما يجعل الواقع أكثر صعوبة مع تدبر حاجيات أسرى القطاع".
ويشكو الأسرى من أنهم في بعض ليالي الشتاء لا يتمكنون من النوم سوى لفترات قصيرة جدا لسبب البرد القارص، كما يضطرون للبقاء في الفراش وتحت الأغطية المتوفرة رغم قلتها طوال ساعات اليوم.
تلاعب بحياتهم
صابر أبو كرش -مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين- أكد من جهته أن الأسرى بعثوا برسالة لهم يقولون فيها إنهم يعانون نقصا حادا في الملابس والأغطية الشتوية، "ولاسيما أن منطقة النقب تقع أقصى جنوب فلسطين، وهي منطقة صحراوية يصعب على الأسرى التأقلم فيها مع الحياة الطبيعية".
وقال أبو كرش: "ملابس الشتاء والأغطية لم تدخل للأسرى منذ فترة طويلة، وهذا تلاعب من إدارة السجون بحياة الأسرى", متهما الإدارة باستغلال حاجة الأسرى للملابس لزيادة الضغط عليهم وابتزازهم وتعذيبهم.. "دون أيّ مبالاة بحقوقهم الإنسانية".
وأوضح أن من الأسرى من لا يستطيع أن يمشي على قدميه نظرا لبرودة الجو وقلة البطانيات والتدفئة, مشيرا إلى أن أغلب الأمراض تكون في السجون الصحراوية التي تفتقر لمظاهر الحياة, ومطالبا جميع المؤسسات الدولية والمحلية للوقوف أمام مسؤولياتها ومراعاة حقوق الأسرى وبخاصة المرضى الذين يعانون الأمرين.
مركز الأسرى للدراسات على لسان مديره أكد بدوره أن هناك تخوفات جدية على حياة الأسرى من شدة البرد في المعتقلات والسجون الصهيونية، مضيفًا أن الأسرى يصارعون برد الشتاء نتيجة منع الزيارات لأهالي الأسرى ولفترات طويلة، "وحرمانهم من إدخال ملابس الشتاء والأغطية".
وقال مدير المركز المحرر رأفت حمدونة إن معاناة الأسرى تتضاعف في أوقات المنخفَضات الجوية الشديدة التي تصيب المنطقة، "فتجتمع شدة البرد ونقص الأغطية وقلة الرعاية الطبية ومعاناة ذوي الأمراض المزمنة ومماطلة الإدارة في توفير وسائل تدفئة".
واعتبر أن الصمت عن هذه الانتهاكات -محليّا وعربيّا ودوليّا- يشجع الحكومة الصهيونية وإدارة مصلحة السجون على الاستمرار في استهتارها بحياة الأسرى والعبث بمبادئ حقوق الإنسان وبالقوانين والمواثيق الدولية. وطالب حمدونة المؤسسات المعنية بقضية الأسرى -على رأسها الصليب الأحمر الدولي- بإدخال احتياجات الأسرى من ملابس شتوية وأحذية وأغطية، "وبالتنسيق من جانبه مع الاحتلال (الإسرائيلي) لنقل تلك الاحتياجات من الأهالي لأبنائهم في السجون".