الرسالة نت - هداية الصعيدي
"أخذت مصحفي وسكيني وتوجهت إلى المستوطنة باحثا عن الشهادة؛ فلماذا يعيش الإنسان سبعين عاما ثم يموت موتا طبيعيا؟".. بهذه الكلمات استهل منصور ريان -المحرر ضمن صفقة وفاء الأحرار– حديثه لـ"الرسالة", مضيفا: "اعتقلت بعد أسبوع من تنفيذي للعملية، فقد اختبأت في قرية مجاورة ولم أعد إلى المنزل مباشرة لسقوط السكين من يدي وعليها بصماتي".
المحرر ريان -ابن قرية قراوة بني حسان قضاء سلفيت- أبعد إلى غزة, وأمضى من عمره 36 عاما قضى منها 19 داخل سجون الاحتلال (الإسرائيلي), وحكم عليه بالسجن مدى الحياة لقتله مستوطنا طعنا بالسكين في مستوطنة كريات نظافيم.
عزيمة الفولاذ
وتعرض ريان لأقسى أساليب التعذيب كالشبح المستمر وقطع التنفس والضرب على الرأس واليدين والأرجل، وهدد كثيرا باعتقال الأهل وهدم المنزل أو إحداث إعاقة لديه, ولكن كثرة هذه العذابات لم تثن عزيمته رغم صغر سنه.
ونفذ ريان عمليته في اليوم الثاني للإفراج عنه من اعتقاله الأول الذي استمر لمدة خمسة عشر شهرا على خلفية انتمائه لحركة حماس ومشاركته في الفعاليات والمظاهرات.
ورفض أن يدافع عنه محاميه، وجاء جوابه صارما للقضاة بأنه سيقتل ثانية إن خرج من السجن.
لم تكن القضبان قيدا على عقله وقلبه المعلق بالله وإن كانت كذلك على جسده؛ فإرادته الفولاذية حطمت كل قيد، فقد أنهى داخل الأسر الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي, ثم البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية المفتوحة بتقدير امتياز, وفي عام 2007 حصل على درجة الماجستير في النظم الديمقراطية المتعددة، وسجد لله شكرا عند حصوله على شهادته وكان عنوان رسالته "الإسلام والديمقراطية" في حين لم يتسن له إكمال بكالوريوس آخر في الشؤون (الإسرائيلية).
ويقول ريان: "قرأت ما يزيد عن ستة آلاف كتاب بلغات مختلفة.. سواء في التاريخ أو الجغرافيا والفقه الإسلامي والأدب وغيرها، وحفظت اثني عشر جزءا من القرآن الكريم بتوفيق من الله".
ويتابع: "أتقن العربية والعبرية والإنجليزية والروسية، وعلمت ألف أسير اللغة العبرية؛ فمن عرف لغة قوم أمن مكرهم".
واستطاع ريان أن يصنع من ظلمة السجن وقبحه نورا وجمالا ووعيا، فقد حوله إلى أكاديمية علمية خرج منها عشرات الأسرى, وتولى إدارة جامعة القدس المفتوحة داخل السجن على طول فصلين كاملين مما أثار غضب سجانيه، فعوقب بالنقل إلى سجن آخر.
وإن أثمر غرسه خلف القضبان فكان للأهل نصيب من جهوده، كما يخبرنا: "لقد درست شقيقي –المتخرج حاليا من الجامعة- في الثانوية العامة عن طريق الهاتف المحمول، وكذلك أدرس شقيقاتي منذ اعتقالي على نفقتي".
يوم في الأسر
وعن طبيعة الحياة داخل الأسر يقول: "يكون في الغرفة 14 أسيرا, وهذا عدد كبير لضيق المكان الذي يكفي لأربعة أشخاص, وكنا نمكث في الغرفة إحدى وعشرين ساعة".ويتابع: "انتقلت إلى كل السجون.. نفحة وعسقلان ورامون وهشارون وغيرها، وكان هناك اختلاف بسيط في النظام اليومي ولكني أوجدت لنفسي روتينا إيجابيا حافظت عليه حتى خروجي، حيث كنت أقرأ لساعات طوال وأمارس الرياضة؛ لذلك خرجت بصحة جيدة ومعافى من الأمراض بحمد الله".
ويؤكد محررنا أن حرب الأمعاء الخاوية كانت سبيلهم الوحيد لتحقيق مطالبهم، "فإضراب عام 2000 كان أبرزها واستمر لمدة شهر واحد لهدف إخراج المعزولين والسماح ببث قناة الجزيرة الإخبارية"، وتم لهم ما أرادوا.ويقول: "أكثر ما آلمني في السجن استشهاد الشيخ أحمد ياسين والحرب على غزة.. كنا نبكي دوما ونتضرع إلى الله ألا تسقط غزة لأن النتائج ستكون وخيمة على القضية الفلسطينية".
دقت ساعة الصفر
"سمعنا خبر الصفقة من الإذاعات المحلية فتعالت الأصوات داخل السجن وبدأت تذاع الأسماء وكأننا يوم القيامة"، وفق قول ريان.
ويضيف: "عندما سمعت اسمي سجدت لله وقرأت سورة ياسين وشعرت أنه قل تركيزي حتى إنني نسيت بعض أسماء الأشياء في الغرفة وبدأت أفكر إن كان هذا حلما أم حقيقة، واختلطت دموع الأسرى فرحا بالإفراج وحزنا على من تبقى في السجن".
ويذكر محررنا أنه تم تبليغهم رسميا بنبأ الإفراج بعد ثلاثة أيام من إعلان الصفقة.
ويخبر "الرسالة نت " عن رحلة العودة: "تم التأكد من أسمائنا وبطاقاتنا الشخصية ووضعت القيود في أيدينا وأرجلنا، ثم صعدنا إلى الحافلات", مضيفا: "الاحتلال قدم لنا الطعام لكننا لم نأكله خوفا من تسميمه أو وضع جراثيم تظهر قدراتها بعد فترة من الزمن".
وأوضح حالة الخوف التي سادت بين الأسرى من أن تغدر حكومة (إسرائيل) بعملية التسليم والتسلم، ولكن الخوف تبدد فرحا عندما دخلوا معبر رفح الفلسطيني.وعن مشاعره في تلك اللحظة يقول: "بكيت عندما دخلت معبر رفح وسمعت محمد الجعبري يسأل: هل شيكتم على الأسماء؟.. هل بقي أحد؟.. فحتى آخر لحظة يأتي القائد ليطمئن بنفسه".
وتفاجأ ريان باستقبال أهل غزة لهم، فيصف انتشار الناس في كل مكان منذ دخوله المعبر حتى وصوله أرض الكتيبة كأنه يوم الحشر.. "خرج أهل القطاع عن بكرة أبيهم ليشاركوا بهذا العرس والنصر الحقيقي الذي لم نذق طعمه منذ عام 1948، فلأول مرة يفرض أحد شيئا على (إسرائيل)".
ويقول: "سيأتي النصر من غزة التي جمعتنا -نحن المهاجرين- بأهلها الأنصار، وهذا يذكرنا بالصحابة -رضوان الله عليهم- عندما قدموا إلى المدينة المنورة، وها هي الصورة تتكون من جديد".
ووجه رسالته إلى الأسرى الباقين في سجون الاحتلال بالتحلي بمزيد من الصبر والثبات والثقة بالله أولا وأخيرا.. "وبكتائب القسام التي وعدت بخطف شاليط ثان وثالث حتى يفرج عنكم جميعا".
ولم يتوقع ريان -رغم تفاؤله- أن تطأ قدماه أرض الديار الحجازية ليؤدي فريضة الحج وثلاث عمرات أيضا، فما إن وصل هناك حتى بدأ بالبكاء؛ فلم يصدق أنه كان في الأسر منذ أسابيع واليوم في الحرم الشريف.
وشكر في نهاية حديثه الحكومة الفلسطينية وكتائب القسام وأهالي غزة الذين صمدوا وصبروا أمام الحصار والاعتداءات (الإسرائيلية).