الرسالة نت- صابرين العابد
لم تكتمل فرحة الأسيرين المحررين أكرم وأنيس النّمورة المبعدين إلى قطاع غزة من "دورا الخليل" برؤية والدتهم الحاجة هدى محمود النمورة -66 عاماً- التي تعاني من مرض القلب وتصلّب الشرايين منذ أكثر من 30عاماً.
ففي ظهر يوم السبت وبعد أسبوع واحد من وصولها إلى القطاع لفظت الحاجة هدى أنفاسها الأخيرة وبشكل مفاجئ وهي في بيتها بين زوجها وابنتها التي اصطحبتهم في رحلتهم لرؤية ابنيّها المحررين أكرم وأنيس.
صعوبة الموقف
"الرسالة نت" وصلت إلى خيمة العزاء بالقرب من أبراج المقوسي في شارع النصر، والتقت الأسير المحرر أنيس -36 عاماً- الذي قابلها بكل معاني الصبر واحتساب الأجر على مصابهم الجلل، ولسان حاله يقول: "الحمد لله الذي كحَّل عيوننا برؤية والدتنا قبل أن يأخذ أمانته".
وقد صدر بحق أنيس حكماً بالسجن مؤبدين، قضى منهم 10 سنوات و3 شهور، أما أكرم فحكم بالسجن مؤبداً و25 سنة، قضى منهم 10 سنوات إلا شهرين، وتهمتهما واحدة، وهي الانتماء للمقاومة، وقتل ضابط من قوات "شمسون" الصهيونية الخاصة.
ويستذكر أنيس في مثل هذا الموقف، أول لقاء بوالدته على معبر رفح -قبل أسبوع واحد من يوم الوفاة- واصفاً إياه بـ "المؤثر والغريب؛ لعظمة وحرارة اللقاء، بعد 10 سنوات من البُعد والحرمان خلف سجون الاحتلال.
وبدمعته الصامدة جسّد لنا اللقاء بدخول والدته تتكئ على عكازها بخطاها المتثاقلة، وما أن رأت فلذات كبدها حتى ألقت بعكازها أرضاً، وارتمت بين أحضانهم تقبلهم بكل شوق وحنين.
ويرجع أنيس بذاكرته إلى الوراء قليلاً، حيث أيام الزيارة في الأسر، قائلاً: "رغم ما كانت تعانيه الوالدة من تعب ومرض إلا أنها كانت عند رؤيتنا تكابر على نفسها وتأتي لزيارتنا".
وعجز الأسير المحرر عن إخفاء ما يُكنّه قلبه من فراق لوالدته؛ إلا أنه حبس دمعته مترحماً عليها، شاكراً الله تعالى بأن حقق لها أمنيتها التي لطالما حلمت بها، برؤيته وأخيه أكرم وتكحيل عينيها بهم قبل أن توافيها المنية.
لوعة الفراق
ومن بين جموع المواسين اقتطعت "الرسالة نت" اليسير من وقت المحرر أكرم -34 عاماً- الذي توقفت كلماته عاجزة عن التعبير؛ لصعوبة الموقف ولوعة الفراق على والدته الحبيبة بعد 10 سنوات قضاها بعيداً عنها هو وأخيه خلف القضبان.
ويصف لنا أكرم شعور والدته طيلة فترة أسرهم -التي كانت متفائلة دائماً بخروجهم- معلقة آمالها بعد الله عز وجل بالمقاومة التي سجن فلذات كبدها لأجلها.
ويقول بعيون معبّأة بالدموع: "جاءت أمي إلى غزة تحلم بتزويجنا؛ لنبني مستقبلنا وتطمئن علينا قبل رجوعها إلى الأهل في دورا الخليل"، مستدركاً: "لكن.. قدر الله كان غالباً، والحمد لله أن أكرمنا برؤيتها؛ رغم أننا لم نصحُ بعد من حُلمنا".
ويحتسب المحرر والدته الفقيدة عند الله تعالى من الشهداء، مثمناً جهادها وصبرها العظيم لفراقهم ومعاناتها مع المرض الذي لم يَفُتّ من عزيمتها.
رحلة عذاب
وعبر الهاتف، تحدثت "الرسالة نت" مع عائلة "النمورة"، وكانت البداية مع ابنة الفقيدة "دينا محمود النمّورة" -46 عاماً- التي ترحّمت على والدتها، داعية الله أن يتغمّدها في رحمته، قائلة: "لولا صبر أمي لما أكرمها الله برؤية ابنيها قبل انتقالها لرحمته، حيث كانت في حياتها تحلم برؤيتهم ولو لمرة واحدة".
وانتقلنا للحديث مع زوج الفقيدة –والد المحررين- الحاج "محمود طلب النمّورة" 80 عاماً، الباحث في مجال حقوق الإنسان، والمتفرّغ للردّ على دعاوي المستشرقين، الذي يعاني من مرض السرطان، لترى منه ذاك الشيخ الصابر المحتسب.
ويقول: "كم كنا نتمنى أن نكون في استقبال أبنائنا في أول أسبوع من تحرريهم؛ إلا أن مرضي ومرض زوجتي حال دون ذلك، فما كان منا إلا أن انتظرناهم حتى عودتهم من الديار الحجازية، واستجمعنا قوانا للمجيء ولقائهم".
وأشار الحاج محمود –أبو الأمين- إلى ما وصفها "رحلة التعب" التي مروا بها أثناء مجيئهم -هو وزوجته وابنته- إلى قطاع غزة لرؤية أبنائهم المحررين، لافتاً إلى أنها –الرحلة- بدأت من دورا في الخليل مروراً بأريحا عبر جسر اللمبي حتى نقطة الحدود مع معبر الأردن، ثم مطار القاهرة وبعدها إلى معبر رفح، إلى أن كانت ساعة اللقاء صباح السبت الماضي.
ويذكر لنا أبو أمين أن زوجته رغم المرض والمعاناة، إلا أنها شعرت بالسعادة الغامرة وقت سماعها نبأ الإفراج عن فلذات أكبادها ضمن صفقة التبادل، وبدأت تنتظر الساعة التي تلتقي فيها بأبنائها، -وحسب الحاج- فما أن وطأت أقدامهم أرض معبر فح حتى ركع وزوجته ليقبّل الأرض المباركة التي احتضنت أبنائهم.
وختم والد الأسيرين المحررين حديثه لـ "الرسالة نت" قائلاً: "أحمد الله أن أكرم زوجتي بأن تفارق الحياة على أرض العزّة والصمود"، شاكراً الحكومة الفلسطينية وفصائل المقاومة على تضحياتهم من أجل تحرير أسرانا البواسل من سجون الاحتلال.