مؤمن بسيسو
شئنا أم أبينا، لم يعد يفصلنا عن ميقات الانتخابات المتوافق عليه في القاهرة سوى بضعة أشهر فحسب، أو أكثر من ذلك حسب ترمومتر التوافقات الفصائلية، وحينها سيرتفع أقوام وينخفض آخرون، وسيسقط أناس ويصعد آخرون.
حين يعمل العامل لوطنه أو لأبناء شعبه يخطئ حين يجعل الأمر موسميا، أو يربطه بمواقيت زمنية محددة، أو يجعله عربونا بين يدي أي استحقاق انتخابي قادم.
لا مشكلة لدينا في الشعار، فالكل يطلق الشعارات والمبادئ، والكل ينادي بخدمة المواطن الفلسطيني ومنحه الأولوية القصوى وتخفيف همومه ومضائق الحياة التي تهدّ كيانه، لكن حظ الشعارات في ميزان الفعل والتطبيق يبدو مختلفا إلى حد كبير.
يصعب أن تجد دليلا أو ثغرة مُخلّة في جدار حرص القوى الفلسطينية المختلفة على خدمة المواطن الفلسطيني، لكن مصداقيتها –وإن صدقت أجندة ومبادئ- تتحدد في نظر المواطن العادي غير المؤطر وفق ما يلمسه على أرض الواقع من تجليات وإسهامات وتطبيقات.
الحقيقة الأكثر بروزا التي يجب أن يدركها الجميع أن هموم ومتاعب السياسة وتعقيدات مواجهة الاحتلال يجب ألا تشغلنا، بأي شكل كان، عن ملاحقة هموم المواطنين ومتابعة مشاكلهم اليومية وخدمة قضاياهم المختلفة، وخصوصا في ظل قناعتنا الراسخة أن تخفيف معاناة أبناء شعبنا تشكل أولوية وطنية ملحة من الدرجة الأولى تسهم في تعزيز صموده ورفع روحه المعنوية في وجه عدوان ومخططات الاحتلال.
سئل برلماني عربي بسيط الفهم والثقافة، لكنه طيب المعشر، حسن الأدب والأخلاق، ما الذي منحك حظوة الفوز بثقة الناس وأهّلك لدخول البرلمان للمرة الثالثة على التوالي بكل أريحية ودون أية إشكاليات أو منافسة حقيقية؟
لم يتغطرس البرلماني العربي أو يتحدث عن قدراته الخارقة في العمل السياسي أو فهمه السياسي أو ثراؤه الأكاديمي، وقد كان بإمكانه أن يفعل أسوة بالكثيرين الذين انحرفت بوصلتهم واختلطت موازين القيم في نفوسهم، ولم يزد عن قوله أنه يستطيع أن يرشح نفسه قبل موعد الانتخابات بيوم واحد ويحقق الفوز والنجاح بسهولة، والسر في ذلك كلمة واحدة فقط، هي: "اخدموا الناس بحبّ".
لم يتحدث الرجل عن خدمة الناس فحسب، بل أضاف إلى ذلك شرط الحبّ، فخدمة الناس يجب أن تكون صادقة، خالصة من الأعماق، مقترنة بإشاعة دفقات حقيقية من مشاعر الحبّ والوداد والأخوة والوفاء، لذا فإن الرجل –بعد مشيئة الله- سيحقق الفوز في الانتخابات القادمة في بلاده حال ترشحه لدورة برلمانية رابعة دون عناء.
خدمة الناس بحبّ ليست كلمة تقال فحسب، فالأمر من زاويتنا الفلسطينية لا يتعلق بعمل أو نشاط فردي محدود بل يتعلق بقوى وفصائل تتحمل المسئولية عن حياة الناس، ويتصدر تخفيف معاناتها صدارة أولوياتها.
من الصعب قياس مستوى العمل لخدمة الناس أو درجة رضى المواطنين بشكل عفوي، فالأمر أبعد مدى ويتطلب إعمال دراسات منهجية دقيقة على أرض الواقع لاستكشاف حقيقة اتجاهات الرأي العام والتعرف الدقيق إلى آراء وأفكار المواطنين.
مشكلة الواقع الفلسطيني أن القيادات تحسن رسم السياسات العامة والخطوط العريضة وتتخذ القرارات الهامة، إلا أن وضع القرارات والسياسات موضع التنفيذ على يد المستويات التنفيذية الصغيرة يعتريه العديد من أوجه الخلل والقصور في أحسن الأحوال، فيما تعيش المستويات العليا في واد ومستوياتها الدنيا في واد آخر، رؤية وتنفيذا، في معظم الأحوال.
الربيع العربي الذي طرد قيظ الظلم وزمهرير التعدي على حقوق وكرامة الناس ليس ببعيد، تحت أشكال مختلفة منها الاستبدال عبر التداول الانتخابي، عن الواقع الفلسطيني، فهل يراجع الجميع حساباته، ويفتح صفحة جديدة ملؤها الحبّ والإخلاص في التعامل مع الناس الذين هم رأسمال مشروعنا الوطني التحرري أولا وأخيرا؟!