قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: حماس 24 بعمق 66 ...!!!

د. حسن محمد أبو حشيش/ رئيس المكتب الإعلامي الحكومي
قبل الكلام وقبل السطور نرفع القبعة، ونضرب السلام، ونعطي التحية لانتفاضة الحجر، فيما أُطلق عليها الانتفاضة الكبرى، التي أحيت بعد موات، وأعادت الكرامة بعد الهوان، ورسخت الأقدام بعد انزلاق، ورفعت المعنويات بعد تدميرها، وردت الاعتبار للقضية والشعب بعد محاولات ومخططات التذويب والشطب والنسيان .
فلقد مثلت هذه الانتفاضة النهضة الثورية الشعبية للشعب الفلسطيني الجديدة، وكان حجرها هو من حرك الدوائر الساكنة بفعل الاحتلال، وأرّخ المؤرخون للأحداث وتطوراتها من انطلاقتها في التاسع من ديسمبر عام1987م، فتحية لحجارتها وإطاراتها المشتعلة، ومتاريسها ومقاليعها، وزجاجاتها الحارقة، ومسيراتها وشعارات الجدرانية وأعلامها وملصقاتها، وإضراباتها وإدارتها لشئون البلاد...وتحية لشهدائها وجرحاها ومبعديها وأسراها...
شاءت الأقدار أن تخرج حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين من رحم الانتفاضة الكبرى، وخاصة أن قرار الحراك الميداني كان قد اتُّخذ مسبقاً من قِبَل قيادة الحركة الإسلامية في قطاع غزة، وطُبِّق عملياً في العديد من المحطات، وكان من أبرز ملامح القرار هو التعاطي المسئول والقوي والمفجر لحادث المقطورة في الثامن من ديسمبر عام1987م، وتمت الترجمة العملية المباشرة بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية في الرابع عشر من ديسمبر1987م، لتمثل جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين .
خاضت حماس عباب بحر الجهاد والمقاومة من أوسع أبوابها، وأبدعت في كل شيء: انطلاقاً بالحجر ومروراً بالاقتحام والأنفاق وليس انتهاءً بالعمليات الاستشهادية وإطلاق الصواريخ وخطف الجنود...أبدعت في إدارة المقاومة، ورسخت مفاهيم غابت من الساحة والميدان: ومن أبرزها المزاوجة بين الحكم والمقاومة، ومن أبرزها انتصار الكف عن المخرز، ومن أبرزها إغلاق سياسة الإبعاد بعد صمود مرج الزهور، وأبدعت في القدوة فقدمت القادة قبل الجند شهداء .
لم تكن انطلاقة حركة حماس حدثاً عابراً، ولم تكن حركة عادية، ولم تكن رقماً عددياً جديداً، بل مثلت حدثاً جوهرياً ومُؤثراً ومُفيداً...قلبت المعادلات، وصححت المفاهيم، وردت الاعتبار، وكسرت الاحتكار، وغيرت الصور النمطية للمقاومة وبصور ذهنية إيجابية .
إن النجاح الباهر، والتقدم المستمر لحماس على المستوى السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي والدعوي والمجتمعي والدولي على مدار السنوات الأربع والعشرين الماضية ( ومازالت المسيرة تتقدم وتتطور ) لا ينم إلا عن عمق هذه الحركة وامتدادها عبر أكثر من ستة عقود ونصف، وهذا يعود إلى إعلان تأسيس الجماعة الأم (الإخوان المسلمين) في فلسطين والتي تُرجح الروايات كلها أنها كانت عام 1945م رسمياً وقبل ذلك تأثيراً وفكراً.
فحماس امتداد لثورة القسام، ولجهاد عبد القادر الحسيني، ولكتائب الإخوان عام48م، ولجهاد الإخوان في إفشال التوطين والتدويل لقضية اللاجئين، ولمعسكرات الشيوخ في الأردن، ولثورة المساجد عام82م، وللحراك الشعبي والطلابي إلى أن انفجرت الانتفاضة، وانطلقت حماس .
فحماس ثوب جديد لجسم قديم وعريق، يافطة جديدة لمنتج فكري وسلوكي أصيل، وهي ثمرة ناضجة لبذور تم زراعتها في أعماق الزمن والتاريخ والجغرافيا، بذور نثرتها الجماعة في المساجد، والمدارس، والمؤسسات، والجامعات، والجمعيات، والنقابات...
إن عمر حماس الجديد 24 سنة ولكن التسنين الحقيقي هو 66 سنة، بهذا يجب أن نتفهم هذه الحركة التي ملأت الآفاق سمعة، وأحدثت إرباكاً لكل دوائر الخصوم والأعداء بل والأصدقاء .

إن حماس بعمقها ليست في غزة لنحاصرها، ولا في الضفة لنصفيها، ولا هي شخص لنغتاله، ولا مال لنجففه، ولا رواية سطحية لنشوهها بل هي فرد وجماعة، وشعب وحكومة، وكلمة وبندقية، ومال وعتاد، وفكرة ومبدأ، وتاريخ يتخطى المُعاصرة، وجغرافية شبت عن طوق فلسطين .
وقبل كل ذلك هي متصلة بالله، تؤمن بدينه وتعليماته، وتستمد قوتها من قوة الله قبل أن تعتمد على الأخذ بالأسباب والجهد البشري، وهي في وعي الشعوب وضمير الأمة .
نسأل الله في هذه المناسبة أن يتقبل شهداءها ويشفي جرحاها، ويُطلق سراح أسراها ويحفظ قادتها وجنودها ومسيرتها، وأن يثبتها على الحق والخير وخدمة الدين والوطن والشعب .
وكل عام وأنتم بخير .

البث المباشر