قائمة الموقع

مقال: من مرج الزهور.. الى الكتيبة الخضراء !

2011-12-18T09:44:40+02:00

بقلم عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن طولكرم

أ. فتحي قرعاوي

كان يوما أليما .. حزيناً .. حين حملت الحافلات أربعمائة من كوادر الحركة الإسلامية في فلسطين إلى المجهول حيث استقر بهم المقام في جنوب لبنان في جو عاصف شديد المطر، وقد غطت الثلوج المكان بكثافة .

هذا المكان لم يكن يصلح للحياة ، حيث المطر والوحل ، فلا مكان للجلوس أو حتى للوقوف أو للصلاة ، وصل الإعلام متأخراً نظراً لوعورة المكان ، فكل ما حولك يثير الرهبة والتوجس بل والخوف ، فالمكان محاط بالمواقع العسكرية الإسرائيلية واللبنانية وجيش لحد وحزب الله والسوريين وجهات أخرى كثيرة ، كل طرف يده على الزناد ، تطلق النار على أي شيء متحرك ، لم نجد مكاناً للوضوء حيث لا ماء ، ولا مكاناً للصلاة مع استمرار نزول المطر ، فأفتى المشايخ أن بإمكان كل فرد أن يصلي على الحال التي هو عليها صلاة ( فاقد الطهورين ) الماء والتراب .. ثم صلينا الجمعة وقوفاً وبالإيماء ، واستمع الجميع إلى خطيب الجمعة للشهيد الدكتور الرنتيسي الذي تحدث بعنفوان المؤمن وإصراره إلى فلسطين والفلسطينيين ، إلى العرب والمسلمين ، إلى لبنان واللبنانيين ، ثم إلى الإسرائيليين ، وأرسل الى كل رسالته ، ثم قال ( سوف تندم يا رابين ) ثم أعلن إعلانه المشهور الذي التزم به الجميع ودارت حوله المعركة طوال وجودنا في مرج الزهور ( أننا لن نقبل عن فلسطين كل فنادق الدنيا ، وكل دول العالم وإننا لن نبرح هذا المكان ولن ندخل لبنان ، وقررنا البقاء هنا فوق الثلج والوحل وبين الجبال والشعاب حتى لو متنا كلنا او تتحقق لنا العودة الجماعية من نفس المكان الذي أبعدنا منه ) .

وبدأت المعركة .. معركة من نوع جديد معقد وشرس ، معركة التغلب على صعوبة المكان ووعورته وقسوة الطبيعة فيه ، ثم معركة الحصول على الحد الأدنى من المواد الغذائية ، فقد أعلنت إسرائيل ان المبعدين هم على ارض لبنانية ، ولبنان هو المسؤول عن اغاثتهم ، وأعلنت لبنان أن المكان أرضا محتلة تحت السيطرة الإسرائيلية، وإسرائيل هي المكلفة بالإغاثة.

لقد خاطب الدكتور الرنتيسي -الناطق الرسمي- الصحفيين قائلا ( استطيع ان اقول لكم انه لا توجد في هذا اليوم في مرج الزهور لقمة خبز واحدة )، ثم معركة إيجاد مكان للنوم فوق هذا المكان عاصف الاجواء ، ثم معركة التعامل مع الجو المحيط بنا ثم إقناع سكان المكان واهل لبنان وقياداته أننا مبعدون قسرا وسنعود ولسنا لاجئين مستوطنين ، ثم المعركة الإعلامية والسياسية التي تجند لها الجميع حيث كانت ماكينة إعلامية متواصلة الجهد رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الظروف .

لقد انطلقت اللجان، كل يعمل في تخصصه ، لم يبق نائم او قاعد ، فقد تحولت القاعدة كلها الى جنود يصلون الليل بالنهار واندمجت بالقيادة في خلية نحل فاعلة ، فلا مجال للراحة او الدعة ، فالكبير والصغير والعجوز والفتى كل الى هدفه ودوره منذ ساعات الصباح الباكر ، الائمة والعلماء ، المهندسون والاطباء ، الإعلاميون والصحفيون ، وغيرهم وغيرهم ؛ كانوا جنودا في مواقعهم ينفذون كل ما يطلب منهم .

بدأ المراسلون يصلون الى المكان وبدأ الزوار يتفقدون من بين تلال وجبال الثلج من كل اصقاع الدنيا ، فكم من مجموعة تاهت بين الثلوج والجبال لعدة أيام ، ولما وصلت الى مبتغاها سجدت شكرا لله ، كم من المشاهد المؤثرة التي رأيناها دلت على عمق وتمكن قضية فلسطين واهل فلسطين وحب فلسطين في قلب الصغير والكبير في لبنان والوطن العربي.

أذكر انه في ساعة متأخرة من احدى الليالي المثلجة والعاصفة وصل عدة فتيان من احد مخيمات جنوب لبنان بعد ان تاهوا لساعات طويلة استمرت لأكثر من سبعين ساعة وهم في حالة من الإرهاق والإعياء والإنهاك وملابسهم تقطر بالماء ، وكانوا قد جمعوا مبلغاً زهيدا اشترى كل واحد منهم به دجاجة ، وكم كانت فرحتهم عندما وصلوا الى المخيم وقد علت البشرى وجوههم والرضى نفسياتهم ، حيث انهم سلموا الامانة الى اهلها.

لقد وصلت الوفود الزائرة والمتضامنة من كل اقطار الدنيا والوفود الصحافية من كل بلدان العالم ، فلقد كان مخيم المبعدين يستقبل يوميا ما بين عشرة الى ثلاث عشرة وفدا اعلاميا ناهيك عن عشرات المراسلين والإعلاميين ، اضافة الى الاعلام اللبناني المتواجد على مدار الاربعة وعشرين ساعة ، ولقد رأيت صحافيا وصل في ساعة متأخرة من الليل فاضطر للنوم في سيارته من اجل ان يغطي المؤتمر الصحفي الصباحي للدكتور الرنتيسي ، وقد اصابه المرض والاعياء وكان في حالة شبه غيبوبة بسبب تأثير البرد الشديد ، ولما قيل له ادخل الى الخيام ، قال ليس الان .. بعد المؤتمر .

لقد عملت اللجنة الإعلامية واللجان المتفرعة عنها مثل لجنة الاستقبال ولجنة العلاقات العامة ولجنة الناطق الرسمي ولجنة صناعة الحدث ولجنة رصد ومتابعة الاخبار ولجنة التوثيق ، حيث تم توثيق هذا الحدث كاملا بالكاميرا والفيديو والكتابة ساعة بساعة ولحظة بلحظة ، وعلى مدار الساعة ، وانا اعتقد ان اللجنة الاعلامية في مرج الزهور قامت بجهد عظيم تعجز عنه وزارة اعلام في دولة متقدمة مستقرة وذات سيادة ، ولها من الامكانيات الشيء الكثير .

ان هذه  الجهود وغيرها صبت باتجاه واحد وهدف واحد ، هو العودة الجماعية المظفرة وشرح ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ، ثم بدأت الأخبار تترى عن إمكانية عودة بعض المبعدين الذين ابعدوا خطأً ، ثم عودة المرضى ، ثم صفقة عودة (101) من المبعدين التي وافق عليها المبعدون والتي كانت مقدمة لعودة الباقين بعد تمام السنة .

 

لقد اعلنت جهات اسرائيلية عليا ان حدث الابعاد لم يكن اكثر من حماقة وكارثة سياسية ولعنة جلبها اسحاق رابين لإسرائيل ، ولا زالت الى اليوم جهات عدة تعتبر ان الإبعاد كان حماقة وكارثة وتصرف أهوج وسوء تقدير .

ان حدث الإبعاد إلى مرج الزهور ثم عودة المبعدين عودة مظفرة كان له ما بعده داخليا وخارجيا ، وتعرف العالم عن كثب على الحركة الإسلامية في فلسطين مباشرة من خلال رجالها وفكرها وبعد النظر الذي تتمتع به ، وكانت فرصة كبيرة لتعريف المواطن العربي بحركة حماس وجذورها الثابتة في ارض فلسطين ، ثم بعد ذلك اثر ما حصل من امتداد هذه الحركة من كونها حركة فلسطينية محلية الى حركة عربية اسلامية وربما عالمية .

إنني وانا اتابع التحضيرات لمهرجان الانطلاقة الرابع والعشرين بهذا الزخم والنجاح والترتيب والنظام وحسن التنظيم أدرك السر وراء محاصرة الحركة ومنعها بالقوة من تطبيق برنامجها ، حيث لو قدر لهذه الحركة بنوابها خاصة في الضفة الغربية من تطبيق البرنامج الذي اعلنوه لكان الوضع مختلفا تماما على مستوى الداخل الفلسطيني او اكثر من ذلك ، ولكانت هناك نجاحات تشبه المعجزات .

واني اذ انظر وبعد قرابة عشرين عاما على عملية الابعاد الى الصفوف المتقدمة امام المنصة الرئيسية في حفل الانطلاقة في ميدان الكتبة الخضراء لأرى رجال مرج الزهور جيل التأسيس والمعاناة .. ابو ايمن طه وابو اسامة دخان وابو خالد الزهار والدكتور سالم سلامة وغيرهم وغيرهم ، مستذكراً الأستاذ ابو حسن شمعة ومجموعة شهداء مرج الزهور ، وعندما أرى ابا العبد هنية يخاطب الامة كلها من محيطها الى خليجها وهي تنظر وتسمع كل كلمة قالها أدرك حكمة الله عز وجل ان الابعاد الى مرج الزهور كان امراً اراده الله وأقول .. لولا مرج الزهور لما كان مهرجان الكتيبة ولما كانت الفعاليات والنجاحات التي تحققت بينهما .

اخبار ذات صلة