محمد إبراهيم المدهون
لمناسبة افتتاح عام 2011م دُعيت لإلقاء محاضرة، ووفقني الله -تبارك وتعالى- للحديث عن “جرد حساب” عام مضى 2010م، وماذا نريد في عام 2011م.
ومن مفردات جرد الحساب للعام الماضي التي ذكرت أن الاستبداد في الأنظمة العربية غدا مفضوحا، "وعنوانه استبداد العائلة الحاكمة الدكتاتورية والتوريث الفج"، وأن الأمل في عام 2011م يتحقق في انتفاضة الجماهير العربية.
والتغيير سنة من سنن الله الماضية.. "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" [محمد:38]، "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" [آل عمران:140].. وفي قراءة لحركة التاريخ فإن عجلة التغيير كانت تمضي دون محاباة أو مجاملة لمسلم دون كافر أو فاسق حين تحقق الظلم.. "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدا" [الكهف:59]، "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" [هود: 102].. وجزء من سنة الله الماضية أن الله -تبارك وتعالى- يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
والتغيير كجزء من سنة الله الماضية يأتي من الداخل إلى الخارج وليس العكس.. "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد:11]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكد هذا المعنى بالقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
التغيير يكون على كل المستويات بحيث يتغير كل واحد منا في ذاته حتى يتحقق التغيير الشامل الذي نأمل كأمة، ومن هنا: "إن لربك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا وإن لبدنك عليك حقا.. فأعط كل ذي حقٍ حقه".
والتغيير المنشود يكون نحو الأفضل للأمة مستقبلا بما يحقق طموحها في العزة والكرامة وإنهاء الاستبداد والظلم، ومن هنا فإن هناك ثمنا لهذا التغيير.. فـ"لا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام".
ولقد قاد النبي -صلى الله عليه وسلم- أكبر عملية تغيير في التاريخ حين أرسى دعائم المبادئ والقيم في نفوس الأفراد، ثم أرسى دعائم دولة تحولت في سنوات قليلة إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ومن هنا فإن صناعة الوعي منطلق التغيير إضافة إلى توفر النية الصادقة.. "إنما الأعمال بالنيات"، وكذلك توفر الإرادة الصلبة والعزيمة الثابتة.. "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ" [مريم:12]، "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى" [طه:84]، وبناء قوى الخير على أساس التنافس.. "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" [المطففين:26].
وقيادة التغيير مهمتها تقديم القدوة والنموذج وتحقيق المساءلة والمحاسبة على أساس من العدل والإنصاف والمساواة مع ضرورة امتلاك الحكمة الفاطنة القادرة على امتلاك الرؤية الثاقبة على أساس من تحقيق المصالح وتجنب المفاسد، وعملية التغيير المنشود تحتاج إلى قوة قادرة على فرض الحقائق والوقائع.. "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" [الأنفال: 60].. أساس القوة الوحدة "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ" [آل عمران:103].
عام 2011 اشتعل لهيب الثورة العربية الكبرى الحقيقية ليعلن أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يحمل ربيع الشعوب، وليفهم بن علي سريعا ماذا يريد الشعب التونسي، وأملنا أن تنتقل "عدوى الفهم" سريعا إلى الساحات العربية من المحيط إلى الخليج.
وعلينا في عام 2011 ونحن نرمق تونس الخضراء ومصر الكنانة وليبيا الوعي والثورة وفلسطين وفاء الأحرار وكشف المستور أن نستبشر بأن عام 2011 انطلاقة التغيير.
استكمال مسيرة التغيير ليس بالوقوف على الأطلال واستدرار للدموع وإنما بالثقة بالله -تبارك وتعالى- والبحث عن الأمل والتشبث بصناعة الحياة والقضاء على الاستبداد، وأن نعمل على بناء أجيال شباب الأمة على الحرية حتى لا تنكسر ولا تتلوث، وتمسك بزمام المبادرة لاستلام راية البناء وتصحيح المسار كي ترسو الأمة على شاطئ الحرية والكرامة والتحرير والحضارة.
ومن كل ذلك فإن التغيير المنشود ينبغي أن يكون شاملا لا جزئيا، وعميقا لا سطحيا، وجذريا لا فوقيا، ومستقرا لا وقتيا، ومنضبطا لا فوضويا، ومتدرج المراحل بحيث يبدأ قطريا ويتحول إلى تغيير عالمي، وهذا التغيير يقوم به النخبة الصادقة بقيادة الشعوب ولا ينوب عنها أحد.
اسكنــــي يـــــا جــــراح
واسكتي يا شجون
مـات عهـــد النــــواح
وزمــــــان الجنـــــون
وأطــــــــل الصبـــــــاح
مــــن وراء القـــــرون