قائد الطوفان قائد الطوفان

تحليل:تجربة"حماس" في الحكم فتحت الباب لتكرارها

غزة-فايز أيوب الشيخ-الرسالة نت

لعل تجربة حماس في الحكم تجربة متميزة، قدمت  نموذجًا جديدًا للحكم الرشيد، الذي جاء بقرار الشعب واختياره، وبشرعية حقيقية مستمدة من حب الشعب وقناعته بضرورة الإصلاح والتغيير، وقد استطاعت أن تقود الشعب للتحرر، في إطار التمسك بالحقوق، بعيدًا عن التنازلات من تحت الطاولة.

د.يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء اعتبر أن تجربة حركة حماس في الحكم تجربة غنية تحتاج إلى دراسة معمقة وخاصة من الباحثين والأكاديميين، مؤكداً أن هذه التجربة أكدت على أهمية شراكة الحركات الإسلامية في تحمل مسئوليات الحكم وإدارة النظام العام وتقديم الخدمة المجتمع.

ولم يغفل رزقة أهمية مرحلة الدعوة والتنشئة والتربية التي شكلت بنية حركة حماس التي كان ينبغي أن تُتوج بمشاركة سياسية تمهد الطريق أمام الوصول إلى القيادة، لافتاً أن حماس انتقلت من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الشراكة وهي الآن تعيش مرحلة قيادة المجتمع ، حيث تجاوزت الأطر الحزبية الخاصة بها ورعاية أبنائها والمؤيدين لها إلى أن ترعى مصالح المواطنين بشكل عام من كافة الأطر السياسية وخارجها.

وأشارلـ"الرسالة نت" أن الحكومة بقيادة إسماعيل هنية على مدى أربعة سنوات قدمت نموذجاً جيداً من مرحلة الشراكة وتقديم الخدمة العامة للمجتمع، مؤكداً أن هذه المرحلة تخللتها نجاحات مهمة قدمت نموذجاً إلى العالم العربي والإسلامي يستحق الدراسة واستكشاف عناصر القوة والضعف في المشاركة السياسية.

حماية المقاومة

واعتبر رزقة أن أهم ما قدمته الحكومة بما يتعلق بالحقوق الفلسطينية، أنها قدمت رعاية قوية وبمكان المسئولية للحقوق الفلسطينية بشكل عام "حق العودة، القدس، اللاجئين، وحماية المقاومة"، لافتاً أن المجلس التشريعي حمى الحق المشروع للشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن أرضه المحتلة، واعتبرها آلية من آليات العمل ينبغي أن تكون موجودة إلى جانب الإطار السياسي والخدمة المدنية للمجتمع الفلسطيني.

وقال: "إن نصر الفرقان كان من خلال ثبات حركة حماس والحكومة الفلسطينية و الثبات على الموقف وتحريض الشعب على الجهاد في سبيل الله، ومن ثم خرج الشعب وحكومته في حالة من الانتصار ولم يحقق العدو أهدافه الأساسية"، مشيراً إلى أن العنوان الرئيسي لهذه الإنجازات كان على المستوى السياسي والصمود ومواجهة شروط الرباعية الظالمة ومواجهة الحصار والغطرسة الصهيونية.

الخدمات العامة

وأكد رزقة أن الحكومة الفلسطينية حققت نجاحات كبرى في مجال الخدمات، فقال:" تقدم الحكومة خدمة متقدمة وتتناسب مع واقع الحصار الذي يعيشه شعبنا، حيث أن المعدات الطبية والأدوية فيها عجز كبير ما اضطرها أن تدخل عبر الأنفاق وعبر دول حرة صديقة إغاثات طبية ساعدت في تجاوز الأزمة"، موضحاً أن الحكومة أثبتت أنها قادرة على أن تقدم خدمة أفضل للمواطن المريض وأن تتغلب على أزمة الحصار وأن تستنفر الكوادر والأطقم الطبية والقيام بجراحات وعمليات نوعية للمرضى رغم شح الموارد والمواد الطبية، في حين استطاعت أن تستنفر الأطباء في العالمين العربي والإسلامي لتقديم الإغاثة الطبية .

وعلى مستوى التربية والتعليم اعتبر رزقة أن الحكومة استطاعت أن تحافظ على التعليم بشكل متواصل على مدار العام رغم استنكاف قطاع المعلمين الذين ابتزتهم سلطة رام الله بالتهديد بقطع رواتبهم، لافتاً إلى أن الحكومة استطاعت أن تنظم الامتحانات بعيداً عن الغش والواسطة كما استطاعت أن توجد قناة التوافق لإجرائها بشكل موحد في كافة أرجاء الوطن وإعلان النتائج بصورة مشتركة بين الضفة وغزة.

فرض الأمن

وركز رزقة على أن فرض الأمن في قطاع غزة يُعد المفخرة الأولى التي رسختها حركة حماس والحكومة الفلسطينية الذي لم يتوفر منذ اتفاق أوسلو، كما استطاعت أن  تضرب بيد من حديد على الفلتان الأمني الذي سببته بعض العائلات وأن توقف زحف الفساد الذي انتشر في الأجهزة الأمنية، منوهاً أن أكبر فئة عبرت عن سعادتها من الحالة الأمنية التي حققتها الحكومة هي فئة القطاع الخاص والتجار والمستثمرين الذي تخلصوا من حالة الابتزاز وفرض الإتاوات عليهم وحالة الفساد التي كانت سائدة في العهد السابق، منوهاً إلى أن أدنى نسبة للجريمة في العالم سجلت في غزة في عهد الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل

السياسة الخارجية

وعلى صعيد السياسة الخارجية، أكد رزقة أنه بالرغم من الحصار المنظم والمضروب على حركة حماس والحكومة الفلسطينية والذي تقوده الولايات المتحدة والرباعية لمساندة الاحتلال وأعوانه في المنطقة إلا أن حركة حماس استطاعت أن تثبت وجوداً في الساحة الدولية، مشيراً أنه ليس من العبث ما شهده العالم من مظاهرات مؤيدة ومناصرة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لاسيما خلال "حرب الفرقان" .

وأشار أن العديد من قادة دول العالم الحر قدموا إلى غزة والتقوا رئيس الوزراء وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر" ، حيث يعتبر من طرف خفي ممثلاً للولايات المتحدة التي يقودها "باراك أوباما" في الوقت الحالي، موضحاً أن المجتمع الدولي أصبح لديه قناعة أنه لا استقرار في المنطقة ولا حل للصراع بدون حماس لما تشكله من رقم صعب في المعادلة الدولية .

 وقال:"إن فرض الشروط على حماس سياسة خاطئة لن تحقق للأوروبيين مصالحهم"، مؤكداً أن حركة حماس لم تعد حركة صغيرة فأصبحت رقماً عربياً وإسلامياً وتربطها علاقات مختلفة مع دول العالم وتجربتها في غزة أصبحت نموذجاً يحتذى به .

محافظة على الثوابت

أما المحلل السياسي د.حسام عدوان، أكد أنه لا يمكن الفصل بين حركة حماس وحكومتها الحالية في التجربة السياسية في الحكم، موضحاًَ أن الحكومة الفلسطينية ومن خلفها حركة حماس استطاعت أن تحافظ على الثوابت الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني من الضياع والاندثار، وذلك بالرغم من كل المؤامرات التي أحيكت في الضفة والقطاع، لافتاً أن خيار التسوية الذي اعترف أقطابه بفشله وبتضييعه للحقوق الفلسطينية والتفريط بالثوابت، أعطى للاحتلال غطاءً للاستمرار في تهويد القدس وبناء المزيد من المغتصبات الصهيونية ومنح الاحتلال صورة الراغب  في السلام أمام المجتمع الدولي، ما يعزز رؤية الحكومة الفلسطينية التي ترأسها حماس في رفض هذا الخيار الهزيل الذي دفعت حماس ثمناً كبيراً وما زالت تدفع أثماناً غالية من أجل الحفاظ على الثوابت والحقوق الفلسطينية.

وأشار عدوان لـ"الرسالة نت"، أنه بالرغم من أن الحكومة لم تتمكن من ممارسة الحكم ولو ليوم واحد في ظروف مستقرة، إلا أنها استطاعت باقتدار أن تحافظ على الاستقرار الداخلي وإدارة شئون الحياة اليومية للفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك بقدرة عادية رغم ما تخللها من إخفاقات خارجة عن إرادتها فيما يتعلق

الشراكة الوطنية

وعبر عدوان عن اعتقاده بأنه كان يمكن للحكومة الفلسطينية أن تقدم نجاحات أكثر لو أنها استطاعت خلق شراكة وطنية حقيقية سواء على المستوى السياسي والإداري في قطاع غزة والاستعانة بالخبرات الفلسطينية داخلياً وخارجياً وسياسياً، مشيراً أن ذلك كان سيمكنها من تحقيق انجازات أكثر ولكانت عززت صورة حماس التي لها حاضنة جماهيرية كبيرة .

وقال عدوان:"يجب أن تلتقط الحكومة الفلسطينية وحركة حماس الفرصة في هذه اللحظة التاريخية بتشكيل جبهة وطنية عريضة يشارك فيها كل القوى الحية من فصائل ومنظمات شعبية وشخصيات وطنية في الداخل والخارج لتكون هي الدليل والقائد لهذا الشعب بدلاً من أن تبقي وهم ما يسمى السلام سائداً".

وعلى صعيد الدبلوماسية الخارجية أشار عدوان أن الحكومة الفلسطينية حاولت أن تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الأنظمة العربية بالرغم من أن الأخيرة لم تكن بالمستوى المطلوب في وجه الهجمة العدوانية والحصار على قطاع غزة، مؤكداً أن الحكومة الفلسطينية كانت مهادنة وحكيمة في تعاملاتها مع الأنظمة العربية و الموازنة بين مصلحة الشعب الفلسطيني وممارسة الدبلوماسية في السياسة الخارجية.

وأضاف:"كلنا يعرف أن الكثير من الأنظمة العربية كانت متواطئة مع الاحتلال ومع تيار التسوية ويرغبون  في انهيار تجربة حركة حماس وجرها إلى مهالك واستحقاقات التسوية، غير أن حركة حماس ظلت صامدة ولم تعترف بشروط الرباعية بالرغم من كل الدعوات والضغوطات وحاولت أن تنفتح في المشهد السياسي ولو قليلاً على بعض الدول الغربية المؤيدة للشعب الفلسطيني وحاولت أن تطرح رؤيتها في مستقبل القضية الفلسطينية بما لا يمكن أن يكون فيه تنازلاً عن حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته"، مؤكداً أن حماس مازالت تسير بخطى متوازنة في هذا الاتجاه رغم حجم الحصار والاستعداء العالمي على تجربة غزة في قيادة الحكومة .

ونوه عدوان إلى أن ذلك اقتضى من حماس الكثير من الحكمة والمناورة للتعاطي مع المحيط الخارجي من خلال علاقات دبلوماسية وسياسية تحاول من خلالها حركة حماس شرح موقفها والتميز عن تجارب الحكم في دول أخرى في العالم أكثر تطرفاً .

وفي الضفة الغربية أكد عدوان أن الحكومة الفلسطينية لو تمكنت من الحكم في جو مستقر لكانت استطاعت أن تنجز نماذج جيدة على صعيد الشفافية والعدالة الاجتماعية وتنفيذ القانون والتقدم في قطاعي الصحة والتعليم ، لافتاً أن حماس واجهت في غزة والضفة فترة من أصعب مراحل الشعب الفلسطيني تخللها فساد وانقلاب أمني وتغول مؤسسات أمنية هنا وهناك على الشعب الفلسطيني .

الحسم العسكري

من جهته قال المحلل السياسي الدكتور معاوية المصري: "إن حماس حركة إسلامية وطنية مقاومة وفازت في انتخابات ديمقراطية حرة مائة في المائة ولا أعتقد أنه جرى مثلها في تاريخ العالمين العربي والإسلامي، غير أن الهيمنة الأمريكية ودول الرباعية لم تسمح لحماس بأن تستلم القيادة والحكم في فلسطين".

وعبر المصري لـ"الرسالة نت"، عن عدم رضاه تسلم حركة حماس للحكومة وقال:"كان الأولى أن  تبقى حماس بأغلبيتها في المجلس التشريعي تناور وتحاسب من قبة البرلمان فساد السلطة"، مضيفاً أن الظروف المحيطة كانت غير مواتية لحكم حماس، غير أنه أيد خطوة حماس في الحسم العسكري لحماية حكمها من تآمر المتنفذين ومن لا يرغبون في وجودها في سدة الحكم.

وأضاف:"حكومة حماس لم يُسمح لها أن تقوم بدورها في غزة ما اضطرها للحسم العسكري لحماية حقها في القيادة والحكم "، مشيراً أنه في الضفة كانت تلك المعوقات كبيرة لدرجة أن حماس لم تستطع أن تحكم فعلياً.

وانتقد المصري حماس بأنها التفتت إلى مؤيديها وأنصارها وأغفلت شريحة ليست بسيطة من معارضيها في الطرف الثاني، حيث أن الكثيرين من هؤلاء المعارضين صوتوا في الانتخابات لصالح حماس، مستدركاً أن الظروف المحيطة لم تساعد حماس على كسب الناس لصالحها.

 وأكد المصري أن الدول العربية وخاصة مصر لو فتحت الباب أمام حماس للتحرك والمناورة مع العالم الخارجي لاستطاعت أن تنفُذ بتجربتها إلى أبعد مدى يمكن تصوره، لافتاً أنهم سدوا الأبواب أمامها وأغلقوا الحدود والسدود لتبقى متقوقعة في غزة ولكي لا تنجح تجربتها وتنتقل إلى الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وبالتالي عدم تهديد حكمهم ونظامهم المتسلط على رقاب شعوبهم.

 

البث المباشر