مؤمن بسيسو
لا تكاد تجد للمعادلة الفلسطينية الراهنة شبيها أو نظيرا في العالم أجمع، ولم نسمع بتجربة مماثلة في العصر الحديث أو عصور الأولين.
أي سلطة تحت الاحتلال مصيرها الفشل المحتّم مهما طال الزمن، فالاحتلال –أيا كان- لا يقبل إلا بأدوات تحفظ أمنه وتكرّس وجوده وتضفي عليه شرعية الاغتصاب لا غير.
لم تدرك السلطة الفلسطينية هذه الحقيقة إلا متأخرة وبعد فوات الأوان، وبعد أن فشل مشروعها (الوطني) الذي نافحت عنه طويلا من الألف إلى الياء.
من كان يجرؤ –سابقا- على توصيف السلطة بأنها سلطة أمنية خادمة للاحتلال كان يُزج به في السجون أو يُتهم بالخروج عن الصف الوطني على أقل تقدير.
اليوم، تنتصب في وجهك اعترافات مذهلة بهذا الواقع الأليم لا تستثني أحدا، فالرئيس عباس أعلن غير مرة أنه لن يقبل الاستمرار في ظل سلطة ذات مضامين أمنية بحتة، وقادة آخرون في حركة فتح حذروا من تحول السلطة إلى سلطة رواتب ذات وظيفة أمنية، تحظى برضى الاحتلال إن اجتهدت، وتنال سخطه إن قصرت، ولا تحيد عن ذلك سبيلا.
عبثا يحاول "أبو مازن" الفكاك من هذه المعادلة البائسة هذه الأيام، والخروج من نفق السلطة المظلم بأقل الخسائر، فقد استنجد بالشرق والغرب دون جدوى، وكانت إدارة أوباما –التي راهن عليها "أبو مازن" كثيرا- أول المتخاذلين عن نصرته، بل إنها انتقلت إلى مربع التغطية على المواقف الإسرائيلية اليمينية ودعمها، واستمرأت إطلاق التهديدات وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد السلطة وتحذيرها من مغبة أي خروج عن وظيفتها البائسة ودورها المرسوم.
بالأمس دعا ليبرمان إلى إنزال العقاب بـــ "أبو مازن"، وإلحاقه بمصير الراحل عرفات، حال إقدامه على تطبيق اتفاق المصالحة مع حماس، وهو ما استدعى ردود فعل فتحاوية وسلطوية غاضبة حاولت الدفع باتجاه صوغ ملامح جديدة للعلاقة المتبادلة بين السلطة والاحتلال خلال المرحلة القادمة.
المشكلة لا تكمن أساسا في سقوط السلطة وفتح في الفخ الإسرائيلي عبر تبني مشروع السلطة ذات الوظيفة والمحددات الأمنية البحتة فحسب، بل –أيضا- في انجرار حماس إلى ذات الفخ رغم محاولتها تغيير الشروط والمرجعيات الناظمة لعمل السلطة وعلاقاتها ومساراتها الأساسية.
لا نعوّل على المواقف النظرية لقيادات فتح والسلطة، فالتغيير المرجوّ لأسس وقواعد العلاقة مع الاحتلال لا يمكن إنجازه إلا بكثير من الجهد والألم والعنت والتضحيات ما لا يقوى هؤلاء على احتمال أكلافه الباهظة بأي حال من الأحوال.
تواجه فتح وحماس حقيقة المآل الصعب للسلطة المحكومة بسطوة وهيمنة الاحتلال، الذي وضع القضية الفلسطينية في زوايا بالغة الحرج والتعقيد، فهما تتعايشان اليوم مع بنى ومفاصل وهياكل تخضع لمرجعيات فاسدة وأجندات إقليمية ودولية معادية، ولا حلّ لهما إلا بإنفاذ مبادئ الشراكة الكاملة، والسير الواثق على طريق المصالحة بكل صدق وإخلاص ودون لفّ أو دوران كمدخل أساس لمواجهة هذه المعضلة الكأداء التي تشكل حجر عثرة في طريق إنجاز الأهداف الوطنية.
من الصعب تخيّل السيناريو الذي يرسم مآلات السلطة على المدى المتوسط والبعيد، لكن الذي نؤمن به أن الاستسلام لواقع السلطة الراهن ليس قدرا، وأن السلطة ينبغي أن تشق طريقها الشائك نحو التحلل التدريجي من الالتزامات والقيود السياسية والأمنية التي كبلتها طيلة المراحل الماضية أيا كانت التبعات.
المعادلة (الأزمة – المأزق) الخاصة بالسلطة ينبغي أن تتغير، وظيفة ومكونات وأبعادا، وتلك مهمة وطنية بامتياز لا يقع إنجازها على عاتق فتح أو حماس لوحدهما، بل هي مهمة كبرى لا يمكن أن تلامس ذرى النجاح إلا بتوافق وطني تام.
أولى خطوات الحل تشخيص المشكلة، ومن ثم القناعة الكاملة بضرورة حلها ودفع الأثمان الباهظة المترتبة عليها في إطار استراتيجية وطنية شاملة ذات معالم واضحة وآليات تنفيذ محددة.
حتى اللحظة لا استراتيجية وطنية من هذا القبيل في الأفق، ولا مؤشرات على ذلك خلال المرحلة القادمة.
وحتى ذلك الحين كل عام وأنتم بخير.