مصطفى الصواف
"دق على الفخار يبان عيبه" مثل فلسطيني يقال لفحص الأشياء واختبارها، وأخذ الفخار مثالا؛ لأن الفخار المشروخ عندما يدق عليه يخرج صوتا يدلل على انه مشروخ وإن لم يظهر للعين، أو أن يتمكن صاحبه من إخفاء عيبه عن الناس.
تماما هذا المثل ينطبق على السيد محمود عباس الذي حلف أغلظ الأيمان (العلمانية) حتى كاد أن يحلف بالطلاق بأنه لن يعود إلى المفاوضات مع الاحتلال (الإسرائيلي) ما لم يوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وها هو اليوم يعود للمفاوضات في عمان وبحضور الرباعية الدولية وبمشاركة أردنية رسمية يمثلها وزير الخارجية سواء في اللقاء المشترك الذي سيجمع الرباعية بـ(الإسرائيليين) والفلسطينيين، أو في اللقاء الثنائي الذي سيضم الوفدين الفلسطيني و(الإسرائيلي) بحضرة وزير الخارجية الأردني.
اللقاء إن لم يكن مفاوضات فماذا يمكن أن يسمى؟ هل هو لقاء تعارف؟ أم لقاء عابر جاء بمحض الصدفة؟ اللقاء نوقش وباستفاضة خلال لقاء الملك الأردني بالسيد عباس في رام الله بتكليف من الإدارة الأمريكية، واللقاء لامس رغبات عباس في العودة إلى طاولة المفاوضات، وفي نفس الوقت حقق ما سعى إليه نتنياهو من العودة إلى المفاوضات دون شروط مسبقة، ووفق أجندة تحمل ملفي الحدود والأمن، والدولة على حدود 67، وها هو كبير المفاوضين (المستقيل) يلتقي المفاوض (الإسرائيلي) والاستيطان "مشرئب الرأس" في القدس والضفة الغربية ويسير بوتيرة عالية جدا حتى في تلك البؤر الاستيطانية العشوائية والتي ستصبح بعد قليل بؤرا رسمية وبرسم الاحتلال.
يبدو أن الملك الأردني سيتولى المهام التي كان يقوم بها المخلوع حسني مبارك بالقيام بمهمة العراب والحاضن للتفاوض بين فريق عباس التفاوضي و(الإسرائيلي)، وعلى ما يبدو أن الملك عبد الله لم يتعلم الدرس من سابقيه، ولم يدرك أن درب فلسطين والسير فيه بهذه الطريقة التي سار بها مبارك ويحاول هو ولوجها هي درب الهلاك، لأن هذه الطريقة فيها تعد على حقوق الشعب الفلسطيني وعلى ارض فلسطين والتي هي ارض وقف إسلامي، التعدي عليها يعني إعلان حرب على الله، ومن يعلن الحرب على الله فهو إلى زوال.
هذا اللقاء ينسف كل المواقف التي أبداها أبو مازن خلال الفترة الماضية ويكشف عن القناع الذي كان يتستر خلفه، فقد بدا واضحا أن الرجل كان يرمي من كل تصريحاته وطرحه لموضوع المصالحة إلا من أجل العودة إلى مشروعه الفاشل مشروع المفاوضات، وها هو يضرب بعرض الحائط كل المواقف الفلسطينية الرافضة للقاء ومضى ذاهبا لوحده إلى المفاوضات والتي لن تكون أكثر من مضيعة للوقت ومنح الاحتلال مزيدا من الوقت لاستكمال مشروعه الاستيطاني وفرض الوقائع على الأرض والتي ستحول دون قيام دولة فلسطينية كما يحلم محمود عباس ويؤكد انه يريدها على مساحة 22% من مساحة فلسطين التاريخية.
هل فهم من جالسوا عباس وفاوضوه في القاهرة أن توجهاته نحو المصالحة تكتيكية، وان هدفها ليس المصالحة بحد ذاته إنما الهدف هو طاولة المفاوضات مع (الإسرائيليين) ورضا الأمريكان والأوروبيين، هذه العودة للمفاوضات تؤكد ما خلصنا إليه سابقا أن مواقف عباس هي مواقف زئبقية ومتغيرة وفق الأجواء والأحوال، وأنها لا تستند إلى رؤية إستراتيجية شمولية تعتمد على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
ما سنتوقعه في المرحلة القادمة هو العودة إلى المربع الأول المستندة إلى نقطتين أساسيتين:
الأولى: مكوكية المفاوضات بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين في حاضنة عبد الله بدلا من مبارك، وهي نفس الحلقة المفرغة والتي لن تعطي الفلسطينيين حقوقا وستكون مضيعة للوقت.
الثانية: إدارة الظهر للمصالحة وتأجيلها مع إبقاء اللجان تخض الماء في قربة الاجتماعات ودون أن تنتج تقدما ثم تنتهي إلى صفر كبير كما انتهت في انتظار استحقاق أيلول وستؤجل كما أجلت الحكومة في انتظار الرباعية.
ولو كنت أجيد فن الرسم لكانت اللوحة المناسبة هي صورة لمحمود عباس ملتفتا إلى الخلف مخرجا لسانه إلى القوى الفلسطينية ومن خلفهم الشعب الفلسطيني.