عوني صادق
ما يدل على حقيقة "الإنجازات" التي تحققت فلسطينياً، في العام الذي مات، أن صحيفة (تايمز- 31/12/2011) البريطانية التي استعرضت "حالة العالم" في العام الجديد وتوقفت عند الشرق الأوسط، ذكرت سوريا ومصر وإيران و(إسرائيل)، لكنها لم تفطن إلى وجود قضية فلسطينية. لكن مسؤولين فلسطينيين "فطنوا" إليها، وأطلقوا تصريحات "غير مسبوقة" بشأنها! فمثلاً، قالت حنان عشراوي، عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية: إن "سحب الاعتراف ب(إسرائيل) سيكون أحد الخيارات في نهاية المطاف، في حال استنفاد كل التحركات الممكنة". وكان محمد اشتيه، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، قد سبقها إلى القول: إنه "في حال عدم توصل الفلسطينيين و(الإسرائيليين) إلى تسوية القضايا العالقة بينهم، فإن الفلسطينيين قد يلجأون إلى إلغاء الاتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، بما فيها الاعتراف بالدولة العبرية".
تهديدات عشراوي واشتيه غير المسبوقة، تبدو فارغة من المضمون، لأن ما قالته الأولى يشير إلى أن هناك "تحركات ممكنة" لم تستنفد بعد، يأخذ التهديد الذي أطلقته مكانه بعد استنفادها. أما اشتيه، فتهديده يستحق "في حال عدم التوصل إلى تسوية القضايا العالقة"، أي أن إمكانية التوصل إلى هذه التسوية قائمة. ولكن، ما هي تلك "التحركات الممكنة" و"إمكانية التوصل إلى تسوية"، الباقية والتي لم تستنفد بعد؟
في بيان اللجنة التنفيذية الصادر عن اجتماعها يوم 1/12/2011، جاء ما يلي: "على ضوء اتساع الحملة الاستيطانية وشمولها في مدينة القدس ومحيطها، وفي جميع أرجاء الضفة الغربية، فإن القيادة الفلسطينية ستتوجه إلى مجلس الأمن لبحث هذا التحول الخطير الذي سيدمر كل فرص العملية السياسية وحل الدولتين. وكذلك سوف تتم دعوة مجلس الجامعة العربية على أعلى مستوى لمتابعة هذا الشأن... وتتوجه القيادة الفلسطينية إلى أعضاء اللجنة الرباعية الدولية لإعطاء الأولوية لخطر الاستيطان والتوسع المنهجي غير المسبوق الذي تطبقه الحكومة (الإسرائيلية)، قبل البحث في آليات الحل والمفاوضات التي ستؤدي إلى نتائج عقيمة في ظل استمرار سياسة (إسرائيل) الاستيطانية الحالية".
هل في بيان اللجنة التنفيذية جديد؟ هل اكتشفت اللجنة فجأة اليوم "اتساع الحملة الاستيطانية وشمولها"؟ وهل كانت بالأمس "أقل اتساعاً وشمولية"؟ وهل تعتقد اللجنة أن مجلس الأمن واللجنة الرباعية قادران على وقفها، ألم تجرّبا ذلك؟ وإذا كانت المفاوضات مع استمرار الاستيطان تؤدي إلى "نتائج عقيمة"، فلماذا التمسك بها؟ الجواب معروف، التمسك بالمفاوضات ونتائجها العقيمة سببه عدم وجود سبل أخرى تقبلها وتسير فيها السلطة، وهو ما يجعل تهديداتها تأخذ "شكل" التهديد ولكن بمضمون "الاستجداء".
يؤكد زعمنا ما قاله رئيس اللجنة التنفيذية، الرئيس محمود عباس، في مقابلة مع (إذاعة وتلفزيون فلسطين- 31/12/2011)، حيث قال: إذا لم تتمكن اللجنة الرباعية من وضع الطرفين، الفلسطيني و(الإسرائيلي)، على طاولة المفاوضات حتى 26 يناير/كانون الثاني الحالي، فهذا يعني أنها فشلت، وسيكون للقيادة الفلسطينية بعد ذلك موقف تدرسه وتتصرف بناء عليه. وأضاف: "إذا لم يحصل شيء، فالخيارات مفتوحة".
حتى الآن ليس هناك شيء جديد: التمسك بالمفاوضات (التي لم تكن عقيمة) واللجنة الرباعية (التي لم تفشل بعد). ولكن ماذا عن "الخيارات المفتوحة"؟ يقول الرئيس عباس لإذاعة وتلفزيون فلسطين: "طبعاً هناك ناس يقولون: انتفاضة ثالثة، وأنا أقول هذا غير وارد، وأنا لا أقبل ذلك". إذن ماذا؟ في المقابلة المذكورة، يذكر الرئيس عباس ويطالب الإدارة الأمريكية بأن "لا تضيع سنة 2012 في مسألة الانتخابات"، لأن "هناك قضايا خطيرة، كملف الشرق الأوسط، لا يجوز لدولة كبرى أن تؤجله". ويذكر الحكومة (الإسرائيلية) أن "السلام أهم من الائتلاف الحكومي"، مخاطباً إياها: "السلام لا ينتظر، وكلما أسرعنا بتحقيقه كان أفضل لكم ولنا وللمنطقة وللعالم".
هل هذه هي "الخيارات المفتوحة"؟ ألم تكن كلها موجودة وجربت طوال عقدين ماضيين؟ وماذا كانت النتائج؟ الانتفاضة مرفوضة، وكل ما سبق تجريبه انتهى إلى الفشل، ومع ذلك لا تزال سلطة أوسلو متمسكة به، إلى جانب حزمة من "التهديدات" فارغة المضمون لا تخيف أحداً، وتمنع أوباما ونتنياهو من الاستجابة للنصائح الثمينة حول مكانة "الدولة الكبرى" وفائدة "السلام" للمنطقة والعالم.
عام جديد، نعم، لكن لا جديد لدى السلطة، إذ لا تزال تترنح بين التهديد الفارغ والاستجداء الذليل، وكأنها تقول: نقطة.. أول السطر، ولا عيب أن نبدأ من جديد، ففي الحركة بركة، ولو كانت دوراناً في الحلقات المفرغة!
صحيفة الخليج الإماراتية