الشريعة حرمته تعاطيا وتجارة

التدخين.. اهلاك للنفس والمال والعيال

التدخين أمر مستحدث، ظهر في أواخر القرن العاشر الهجري، ولم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولا زمن الصحابة، ولا التابعين، ولا تابعي التابعين، ولا عرفه أهل الإسلام إلا بعد أن أدخله اليهود والنصارى إلى بلاد المسلمين، بعد ألف عام من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم ينزل بخصوصه نص قرأني، مثلما نزل بشأن الخمر التي كانت شائعة وقتئذٍ، فظن بعض الناس أن شربه مباح، فأقبلوا عليه يتعاطونه تدخيناً في لفافات، أو على النارجيلة (الشيشة)، أو الجوزة، أو مضغاً له، أو استنشاقاً لمسحوقه، والواقع أن الناس مخطئون في زعمهم هذا، فقد جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يدل على حرمته، لأنه ضار بالصحة ومضيع للمال فيما يضر، وكل ما كان كذلك فهو حرام في جميع الشرائع، وخاصة شريعة الإسلام.

ففي التدخين إهلاك للنفس، بتعريضها لأخطر الأوبئة، وأفتك الأمراض، وقد حرم الإسلام ذلك، فقال تعالي {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) سورة النساء وقال سبحانه: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة.

وفيه إهدار وضياع للمال، والمسلم مسئول أمام الله عز وجل عن ماله، من اكتسبه؟ وفيم أنفقته؟

كما أن فيه تبذيراً للمال، حرمه الله عز وجل ونهى عنه بقوله تعالي: {.. وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (26-27) سورة الإسراء، لأن التبذير أخذ للمال من حقه، ووضعه في غير حقه.

وفيه تضييع للعيال بمنع النفقة عنهم لأجل شراء الدخان وقد قال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمرو وحسنه الألباني.

وفيه أيضاً إضرار بالغير ممن يخالطون المدخن، كالجالس أو الساكن معه، أو زوجته أو ذريته ونسله، حيث ثبت أن التدخين السلبي (( وهو تعرض غير المدخن لدخان السجائر)) لنصف ساعة فقط يضر بالقلب، ويؤثر سلباً على صحة الدورة الدموية، وكل ما فيه ضرر على الإنسان حرام في الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس وصححه الألباني.

وفيه تعريض الناس للأذى، بتلويث البيئة، واستنشاق الرائحة الكريهة الخبيثة المنبعثة من فم المدخن وأنفه، بل هو أشد إيذاءً من رائحة البصل والثوم، وما كان كان ذلك فهو محرم، للأذى والضرر الحاصل على الأمة وخاصة الزوجة وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: " من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله" رواه الطبراني عن أنس.

و يكاد يوجد اليوم عالم يعرف أضرار التبغ الصحية والمبالغ الخرافية التى تنفق عليه، والخسائر الناتجة عن التدخين، وفقدان الحياة بسببه- وكفى بها من خسارة – إلا ويجزم بالتحريم.

وحكم التجارة في الدخان ينبني على هذا الحكم لأنها تجارة فيما يحرم استعماله، وقد اشترط الفقهاء في المبيع الذي يصح بيعه شرعاً (( أن يكون ذا قيمة مادية بين الناس، ويجوز الانتفاع به شرعاً)) فلا يصح بيع ما لا يجوز الانتفاع به شرعاً كالخمر وآلات اللهو والطرب والدخان، لأن تضييع المال بغير عوض شرعي حرام، ولأن الأشياء خلقت لمنفعة الإنسان وما لا منفعة فيه لا قيمة له فأخذ الثمن عنه من أكل المال بالباطل ودفع الثمن فيه من السفه المذموم شرعاً وعقلاً.

وتأسيساً على ما تقدم فإنه يحرم زراعة الدخان وتصنيعه وتداوله وبيعه وشراءه وترويجه باستيراده وتصديره ويلحق بذلك في الحرمة كل ما يتعلق بالتدخين كبيع التنباك والمعسل والشيشة و الغليون وتأجير المحلات التجارية لبيعه ونقله بالأجرة أو مجاناً من مكان إلى آخر، ومساعدة التجار في إدخاله من المعابر وغير ذلك، لأن ما يتوصل به إلى الحرام فهو حرام، وهو من باب التعاون على الإثم والعدوان.

وأخيراً أقول لبائع الدخان وملحقاته: اعلم انك تأكل باطلاً وتكسب سحتاً وأن نفسك وزوجك وأولادك في عنقك أمانة فاتق الله فيهم، ولا تطعمهم حراماً وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص رضي الله عنه: " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " رواه الطبراني عن ابن عباس.

وإياك إياك .. أن تعتذر بأن بيع الدخان يجلب الزبائن لشراء الحاجيات الأخرى، فإن ذلك من وساوس الشيطان، التي تتسرب إلى نفس الإنسان بسبب ضعف الإيمان فبطلب الرزق بمعصية الرحمن وهذا ما حذر منه رسول الانس والجان صلى الله عليه وسلم فقال: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته " رواه أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني.

واعلم – أخي التاجر حفظك الله وهداك- أن من ترك شيئاً إرضاءً لله ومن أجل الله عوضه الله خيراً منه، لقوله سبحانه وتعالى: {.. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (2-3) سورة الطلاق .

 

البث المباشر