فهمي هويدي
خلال الأسبوع الماضي تابعت وسائل الإعلام أول جولة خارجية يقوم بها السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني فى حكومة قطاع غزة. كانت البداية زيارة للسودان. حيث التقاه هناك الرئيس عمر البشير ونائبه وعقد عدة اجتماعات مع مختلف القيادات السودانية. بعد السودان زار تركيا التى حظى فيها بترحيب حار، فاستقبله رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. كما التقى مع قيادات كل الأحزاب السياسية القومية والكردية، وحضر جلسة للبرلمان التركى. ومن تركيا اتجه إلى تونس، حيث استقبله هناك رئيس الوزراء حمادى الجبالى، كما التقى مع عدد آخر من القيادات السياسية، وكان السيد هنية (أبو العبد) على موعد بعد ذلك للقاء أمير قطر فى الدوحة، ولكن الأمير ارتبط بزيارة إلى موريتانيا، فتأجل اللقاء إلى آخر الشهر الحالي.
كل ذلك نشرته الصحف وصار فى علم الكافة، لكن ما لم يقل، ويتملكنى شعور بالخجل والخزى حين أذكره، إن السيد إسماعيل هنية حين غادر غزة يوم 26/12 ، فانه جاء إلى مصر عبر معبر رفح، وأمضى فى القاهرة ثلاثة أيام لم يلتق خلالها بأى مسئول سياسى فى الدولة، ولم يقابله سوى رئيس المخابرات العامة وبعض مساعديه. وقد التقاه الدكتور نبيل العربى بصفته أمينا عاما لجامعة الدول العربية، لا علاقة له بالحكومة المصرية.
السؤال الذى تثيره هذه الواقعة يثير السؤال التالى: لماذا امتنعت الحكومة المصرية والمجلس العسكرى عن ترتيب أى استقبال للرجل، وتجاهلت وجوده، رغم أنه كرم حيثما ذهب؟ هناك ثلاثة احتمالات فى تفسير ذلك التجاهل.
الأول أن تكون السياسة الخارجية لحكومة «الثورة» ما زالت ملتزمة بتوجيهات الرئيس السابق الذى قيل إنه كان يحب فلسطين ويكره الفلسطينيين. الثانى أن يخشى المجلس العسكرى إغضاب الأمريكيين الذين قد لا يرحبون بأى اتصال رسمى مع حكومة غزة. الثالث أن يكون الهدف من ذلك هو مراعاة خاطر الإسرائيليين والانحياز إلى موقفهم المقاطع لحركة حماس.
أستغرب الاحتمال الأول، الذى يؤيد ما يردده البعض من أن ما تغير فى مصر هو الحاكم وليس الحكم، وهى قرينة ليست فى صالح المجلس العسكرى، وتدل على مدى ضعفه وتردده. علما بأن مقابلة رئيس الوزراء المصرى لرئيس حكومة قطاع غزة، خصوصا بعد توقيع اتفاق المصالحة بين حركتى فتح وحماس، تأثيرها معنوى بالدرجة الأولى، ويمكن أن تعطى حكومة «الثورة» نقطة مجانية لصالحها.
فيما يتعلق بالاحتمالين الآخيرين، فإننى أزعم أن علاقة تركيا ــ التى احترمت الرجل واحتفت به ــ لها علاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل أقوى بكثير من علاقات القاهرة مع واشنطن وتل أبيب، ومع ذلك فإنها تصرفت بصورة مقدرة تبعث على الاحترام. وأزعم فى ذلك أن الحكومة التركية رغم عضويتها فى حلف الناتو، ورغم تجذر العلاقات مع إسرائيل التى اعترفت بها أنقرة فى عام 1949، وضعت فى الاعتبار احترام مشاعر شعبها، وقدمته على علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، ورغم أن ما قلته ينسحب أيضا بدرجة أو أخرى على السودان وتونس وقطر، فإن القياس على الحالة التركية يسلط ضوءا أقوى على المفارقة.
هذه الخلفية تسوغ لى أن أقول إن المجلس العسكرى لم يتجاهل السيد إسماعيل هنية فحسب، ولكنه أيضا تجاهل مشاعر الشعب المصرى الذى لا تزال القضية الفلسطينية تحتل موقعا متميزا فى إدراكه، ناهيك عن الشعب العربى الذى تبين لنا أن المجلس العسكرى لا يراه ولم يعد يعمل له حسابا يوما ما.
إذا لاحظت أننا نتحدث عن مجرد استقبال بروتوكولى يعبر عن الاحترام والتقدير لرئيس حكومة فى القطاع انتخبتها أغلبية الشعب الفلسطينى، ولم تتحدث عن تصعيد أو اشتباك مع واشنطن أو تل أبيب. فإن ذلك يكشف عن عمق الأزمة التى تواجهها السياسة الخارجية المصرية إذ بات المجلس العسكرى أعجز من أن يرتب استقبالا للسيد إسماعيل هنية، فى حين أن أى سناتور أمريكى يأتى إلى مصر تفتح له كل الأبواب على مصارعها، ونرى صورته فى الصحف وهو يتحدث متعجزفا عما ينبغى أن تفعله مصر أو لا تفعله.
إذا كان ذلك حاصلا مع رئيس حكومة غزة، فلك أن تتصور الذى يحدث مع من دونه مرتبة فى الوزارة، ولك أن تتخيل الكيفية التى يعامل بها الفلسطينيون ومعاناتهم فى مطار القاهرة أو معبر رفح. وهى شواهد إذا جمعت جنبا إلى جنب فستخلص منها أن كنز إسرائيل الاستراتيجى لم يكن مبارك وحده، وإن ذلك الكنز أكبر بكثير مما تظن.
سيعود السيد أبو العبد من تونس اليوم أو غدا، ولا تزال هناك فرصة لإصلاح الخطأ الذى وقع أثناء ذهابه، ليس فقط احتراما للرجل ورمزيته، ولكن أيضا احتراما لمشاعر الشعب المصرى والعربى أيضا. هذا إذا لم يرد المجلس العسكرى أن يحسن من صورته ويصلح خطأه.