مقال: من الجدير أن توضع حماس تحت الاختبار

للكاتبة الأمريكية الشهيرة: سارة روي*

الرسالة نت-ترجمة خاصة

اللقاء الأول الذي كان وجها لوجه بين إسرائيل والفلسطينيين منذ أكثر من عام كان في عمان، ومن المقرر عقد اجتماع آخر الأسبوع المقبل، ونظراً للتوقعات المنخفضة جدا، وبشكل مؤلم لجميع الإطراف، لا سيما بعد إعلان إسرائيل –قبل ثلاث ساعات فقط من المحادثات هذا الأسبوع- عن بدئها ببناء 300 وحدة استيطانية جديدة وراء الخط الأخضر في القدس، فإن من حق المرء أن يتساءل: لماذا يتم  التفكير بمجرد المحاولة في فعل أمر كهذا ؟

هذا الشهر يصادف أيضا الذكرى الثالثة لحرب إسرائيل المدمرة، والتي استمرت لثلاثة أسابيع على قطاع غزة، ويبدو أن هجوماً آخر يلوح في الأفق، خاصة بعد تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي بيني غانتز، "أن مسألة هجوم آخر على غزة ليست مسألة اختيار بالنسبة لإسرائيل. وقد أظهرت الأسابيع القليلة الماضية وجود علاقة إحصائية واضحة بين الضربات الصاروخية الإسرائيلية ضد غزة -التي استهدفت إحداها أحد أهم شوارع غزة الرئيسية الشهر الماضي-، وبين زيادة عدد الصواريخ المحلية الصنع التي أطلقت من القطاع تجاه إسرائيل، وبحسب بعض وسائل الإعلام، فإن ذلك الهجوم الإسرائيلي كان أول حادثة من نوعها تستهدف قلب المدينة منذ حربها على القطاع أواخر العام 2008. فلماذا تقدم إسرائيل على مهاجمة غزة في ديسمبر، وتدخل في محادثات سلام مع رام الله في يناير؟

قد تكون هناك أسباب كثيرة، ولكن أهمها والذي اعتبره مفتاح الإجابة: (لعزل حماس وتخريب جهود المصالحة الفلسطينية)، وربما لهذا حذرت إسرائيل مؤخراً كلا من فتح وحماس أنها ستقوم بقطع الماء والكهرباء عن غزة، إن تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية هو شيء كان كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وخاصة الأخيرة، قد عملا طويلا وبجهد منقطع النظير، لمنع وقوعه. في الواقع لقد كان احد أهم أهداف اتفاقية أوسلو، هو أن تكون ضد أي مصالحة، ولهذا تم خلق منطقتين فلسطينيتين (غزة والضفة) والتي نجحت أوسلو في خلقهما، تلك المنطقتين ستقوضان أو تمنعان تشكل حركة وطنية  فلسطينية موحدة، وستعدم الوحدة على الأساس الجغرافي، وستمنع الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني، ناهيك أن الضفة الغربية نفسها ذائبة في كيان مجزأ، ومفكك، وتحول قطاع غزة إلى سجن فقير كبير يحوي أكثر من 1.65 مليون شخص.

 في عام 2007 ، كتب شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل الأسبق : "لقد أنهينا احتلال غزة [بعد فك الارتباط الإسرائيلي عام 2005]، رغم أننا لا زلنا نحتل الضفة الغربية، فإن ذلك يعود لسبب واحد: لأننا نفترض أن غزة ليست جزءاً من الكيان الفلسطيني".  هذا هو الافتراض الدقيق الذي تمارسه السياسة الإسرائيلية تجاه غزة منذ وقت طويل، لا سيما بعد فوز حماس في انتخابات 2006 واستيلائها على القطاع عام 2007. وفي هذا الصدد نجحت إسرائيل في إعادة صياغة علاقتها غير المتكافئة مع غزة، وحولتها من منطقة كانت تحتلها إلى "عدو يكافئها في القدرات العسكرية، لذا وجبت محاربته"، وإعادة الصياغة هذه تبناها المجتمع الدولي إلى حد كبير، وبالتالي، فقد أعادت إسرائيل تشكيل صراعها مع الفلسطينيين، وركزته في غزة وفي علاقتها العدائية مع حماس، وقيدت مفهوم "الدولة الفلسطينية" في الضفة الغربية المقطعة الأوصال، والتي تضم أراضيها إليها بشكل متزايد.

الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، له بعد خطير وغير واضح للعيان : ألا وهو استئصال غزة-باعتبارها مصدر المبدأ الرئيسي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي- من النموذج السياسي المهيمن، فغزة هي قلب السياسية والإستراتيجية الأساسية لفلسطين والقومية الفلسطينية، ومركز المقاومة في الماضي والحاضر، ليس هذا فحسب بل إن غزة تمثل تهديداً سياسياً لإسرائيل، حتى قبل أن توجد حماس. إسرائيل تفهم هذا جيداً، ولهذا السبب تتعرض غزة للقطع، والتهميش، والمعاقبة بالحصار الذي يشلها الآن للعام السادس، بل هو أيضا السبب في أن غزة ما زالت تتعرض للهجوم.

وهذا يدل على السمة الأساسية من اتفاق المصالحة بين فتح وحماس ،الذي وقع في مايو الماضي، وهذه السمة ببساطة، هي عودة قطاع غزة إلى القضية الفلسطينية بعد سنوات من العزلة، على الرغم من التحديات الصعبة التي لا تزال قائمة، فإن إعادة الدمج السياسي لغزة إلى مركز الصراع، هو المفتاح الوحيد لإعادة بناء الحركة الوطنية، وتلك الحركة لن تتحقق إلا بالوحدة الوطنية الفلسطينية، التي ستبقى تعارضها كلا من إسرائيل والولايات المتحدة، وبعض الدول العربية.

التشجيع المفاوضات، والتي ترفض الأطراف المشاركة فيها، دخول حماس، هي الطريقة الوحيدة لجعل الفلسطينيين منقسمين داخلياً و ضعفاء، بالرغم من أن الوحدة الوطنية لن تأتي من اتفاقٍ بين فتح وحماس وحدهما، ولكنهما شرط أساسي.

وعلاوة على ذلك فقط تعرضت حماس لضغوط هائلة من سكان غزة، تكمن في:أنه لا جدوى من إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وعدم قدرتها على الدفاع عن غزة ضد الهجمات العسكرية الإسرائيلية، وعدم قدرتها على إنهاء الحصار المنهِك، لأن الخراب الاقتصادي في غزة يشكل عقبة رئيسية على الحكومة الإسلامية، فقد بلغ معدل البطالة نحو 30% من السكان، وما يقرب من 40 % يعيشون تحت خط الفقر، وهي نسبة كانت ستكون مرتفعة جداً لولا تدخل مساعدات المانحين، في الواقع إن 70-80 % من السكان لا زالوا يعتمدون بشكل أو بآخر من أشكال المساعدات الإنسانية، و10% من أطفال غزة يعانون من سوء التغذية حتى قبل سن الثانية، وهذا ما كتبه في السابق وزير الخارجية البريطاني ، ديفيد ميليباند: "إنهم لا ينمون بشكل كامل".

كل هذه المشاكل مجتمعة، قد أضعفت حماس، والتي لم تغب عن قيادتها أيضا الذين يشعرون بالقلق من احتمال حدوث اضطرابات مدنية في غزة، لا سيما في ضوء المتغيرات الإقليمية، وعدم شعبية بعض من سياسات حماس، خاصة تلك التي تدعو إلى أسلمة المجتمع. وهذا الخطر لا تهابه فقط حكومة غزة، ولكن نظيرتها في الضفة أيضاً، تخاف من ثورة ضدها.

ليس هناك ما يضمن أنه إن تم إشراك حماس سياسيا، فإن ذلك من شأنه أن ينقص العنف، ويزيد من اعتدال الحركة، ولكن تاريخ حماس من البراغماتية السياسية، وسجلها الطويل في تقديم الخدمات الاجتماعية وتنمية المجتمع -إلى جانب صعود الأحزاب الإسلامية المحيطة وخصوصا في مصر- يشير بقوة إلى أنه من الجدير أن توضع حماس تحت الاختبار، فبدونها لن يوجد استقرار أو مستقبل للقضية الفلسطينية، ناهيك أن جهود السلام في المنطقة تعتمد عليها.

* سارة روي، خبيرة اقتصادية وباحثة سياسية أمريكية، وهي أول باحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد، لها أكثر من 100 منشور، مركزة على اقتصاد غزة، ومؤخرا على الحركة الإسلامية الفلسطينية، بعد قراءة كتابها "السلام الفاشل: غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي" عام 2007، فقد وصفها بروس لورنس، بأنها "الباحثة الرائدة والأكثر شخصية أكاديمية احتراماً"، وهي متخصصة في السياسة الفلسطينية، والصراع الإسرائيلي الفلسطني.

البث المباشر